تونس – “الوسط نيوز” – كتب : رؤوف بن رجب
انعقدت في الأيام الأخيرة ثلاث قمم في قصر الصفاء بمكة المكرمة الذي يعتبر جزءا من الحرم المكي بدعوة من عاهل المملكة العربية السعودية الملك سلمان بن عبد العزيز، كانت آخرها القمة العادية الرابعة عشرة لمنظمة التعاون الإسلامي التي أصبحت تدعى منذ جوان 2011 منظمة التعاون الإسلامي.
و لاحظ الجميع أن قمتي مجلس التعاون الخليجي والقمة العربية الطارئة قد وقع توجيه أشغالهما حسب أجندة سعودية واضحة، بحيث ان انعقادهما كان صوريا باعتبار أن البيان الصادر عنهما تم فرضه من الطرف السعودي فرضا و قد كان العراق البلد الوحيد الذي أعلن تفصيه من البيان الختامي للقمة العربية الطارئة باعتبار أنه لم يشارك في صياغته و لكن بلدانا أخرى لم تكن لنا مثل هذه الشجاعة أما بالنسبة للقمة الإسلامية فلم يكن الأمر ضروريا فمنذ سنوات أصبحت منظمة التعاون الإسلامي جزءا لا يتجزآ من الجهاز الدبلوماسي السعودي و هي تأتمر بأوامر القيادة السعودية بشكل تجاوز ما نراه في العلاقة بين جامعة الدول العربية و وزارة الخارجية المصرية.
و لعل المقارنة لا تقف عند ذلك فمنظمة المؤتمر الإسلامي سلف المنظمة الحالية أنشئت عام 1969 كرد فعل عن التأثير المباشر و غير المقبول للقيادة المصرية على جامعة الدول العربية التي جعل منها الرئيس المصري جمال عبد الناصر فرعا لوزارة الخارجية المصرية بحيث يتداول عليها المصريون و كأنه حق لا ينازعهم فيه أحد.
الملك السعودي الراحل فيصل بن عبد العزيز انتهز فرصة حادث حرق المسجد الأقصى في أوت 1969 ليدعو لقمة لدول العالم الإسلامي احتضتنها العاصمة المغربية الرباط في سبتمبر من نفس السنة تم على ضوئها إنشاء منظمة المؤتمر الإسلامي.
في ذلك الزمن كان الزعيم المصري في أوج ضعفه بعد هزيمة حرب جوان حزيران 1967. أمريكا و الغرب عموما شجع على قيام المنظمة الإسلامية باعتبارها تقوض أسس منظمة أخرى كانت الدول الغربية تتخوف منها و هي مجموعة دول عدم الانحياز التي تأسست عام 1961 و التي كان عبد الناصر أحد زعمائها إلى جانب رئيس الوزراء الهندي نهرو و الزعيم اليوغسلافي تيتو دون أن ننسى أن كوبا بزعامة كاسترو كانت عضوا مؤسسا لهذه المجموعة.
بهذه الصفة منظمة المؤتمر الإسلامي كانت أحد نتاجات الحرب الباردة عربيا و دوليا و لأنها جعلت من القضية الفلسطينية و قضية القدس بصفة خاصة المسألة المركزية لعملها فقد لاقت قبولا رسميا و شعبيا كبيرا في العالمين العربي و الإسلامي خاصة وأنها تمثل لبنة أولى في قيام الأمة الإسلامية من جديد و إعادة أمجاد المسلمين، علما و أن ميثاق المنظمة يعلن أن مقرها في جدة بالمملكة العربية السعودية مقر مؤقت إلى حين تحرير القدس، أولى القبلتين و ثالث الحرمين الشريفين، التي هي المقر الرسمي لها. و لا بد أن ننوه هنا أن القيادة السعودية من الملك فيصل إلى الملك عبد الله لم تسع إلى فرض مرئياتها أو أجندتها الخاصة على المنظمة الإسلامية بل إن القرار الذي اتخذ هو ألا يتولى أي سعودي المسؤولية الأولى فيها أي أمانتها العامة التي كان يتداول عليها بصفة شفافة ممثلون عن المجموعات الثلاث فيها و هي العربية و الإفريقية و الأسيوية و قد تم ذلك منذ عهدة التونسي المرحوم الحبيب الشطي الذي تولى بعده الباكستاني شريف الدين بيرزادا ثم النيجري حامد الغابد قبل أن تعود إلى المغربي عز الدين العراقي الذي خلفه مواطنه عبد الواحد بلقزيز لإنهاء دورتين ثم جاء دور التركي أكمل الدين إحسان أوغلو.
في آخر عهدة هذا الأخير و بعد محاولته البقاء لما نهاية له على راس المنظمة، كما فعل على رأس مركز إسطنبول للتاريخ و الثقافة و الفنون الإسلامية، وضعت المملكة كل ثقلها للحيلولة دون ذلك بتقديم مرشحها للأمانة العامة في شخص الوزير السابق للثقافة و الإعلام إياد مدني و لكن هذا الأخير لم يعمر طويلا لأن اقتراحه تم في عهد الملك الراحل عبد الله و قد وقع انتهاز أول خطا له و قد تم في تونس في خلطه بين اسمي الرئيسين السيسي و السبسي ليقع دفعه للاستقالة و تعيين الأمين العام الحالي يوسف العثيمين في منصب الأمين العام و لا أظن أن الرياض سوف تتنازل في المستقبل عن هذا المنصب.
منذ أسابيع قليلة كرست الرياض تمسكها بمسؤولية إسلامية أخرى وتتعلق بالمدير العام للمنظمة الإسلامية للتربية و العلوم و الثقافة الإيسيسكو و هي فرع من منظمة التعاون الإسلامي حيث تم تعيين مدير عام سعودي جديد كخلف للسعودي عبد العزيز التويجري الذي تولى هذا المنصب منذ سنة 1991 بدون انقطاع.
المنصب الوحيد الذي لم تتخل عنه المملكة السعودية منذ إنشائه هو رئاسة البنك الإسلامي للتنمية. هذه المسؤولية الأخيرة تولاها لمدة أربعين سنة السعودي أحمد محمد علي المدني قبل ان تسند مذ عام 2015 للرئيس الحالي الدكتور بندر الحجار.
عبر منظمة التعاون الإسلامي و تفرعاتها ترغب المملكة العربية السعودية أن تكون لها موطأ قدم على الساحة الإقليمية و الدولية و هو ما خبرته عندما عن لها إحداث التحالف العسكري الإسلامي لمقاومة الإرهاب و الذي كان موجها بالأساس ضد مجموعة الحوثيين في اليمن. دول قليلة عضو في منظمة التعاون الإسلامي أعلنت رفضها المشاركة في هذا التحالف و هي بالأساس الجزائر و العراق في حين أن دولا تم إقحامها أعلنت صراحة انها غير معنية و هي خاصة الباكستان و ماليزيا. و هذا التحالف الذي سعى إلى تكوينه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لمعاضدة بلاده في حربها في اليمن بقي حبرا على ورق.
منظمة التعاون الإسلامي لا مثيل لها في العالم فهي المجموعة الدولية الوحيدة التي تقوم على ديانة بذاتها و الادعاء بانها ثاني أكبر منظمة في العالم بعد الأمم المتحدة من حيث عدد البلدان فليس صحيحا باعتبار ان المنظمة الدولية للفرنكفونية مثلا تضم 84 دولة أو مجموعة في حين أن المنظمة الإسلامية لا تضم إلا 57 دولة فضلا على أن ميزانية هذه الأخيرة زهيد جدا إذا ما قورن بمنظمات إقليمية أخرى. منظمة التعاون الإسلامي ستكون مفيدة للمسلمين و للعالم من حولهم لو أنها كرست جهودها للتعريف بالقيم الإسلامية السمحة وسعت إلى بناء التضامن والتآزر بين المجتمعات المسلمة و عملت على مكافحة ظاهرة الإسلام و فوبيا هذا الخوف المرضي من الإسلام و المسلمين نتيجة الخلط المتعمد بينهم و بين الإرهاب.
و لكن إذا ما وقع حصر عملها في المشاكل السياسية الجانبية و الخلافات المذهبية كما هو الحال بتأليب السنة ضد النظام الإيراني الشيعي فسوف تبقى على الهامش شأنها شأن طاحونة الشيء المعتاد تسمع جعجعة و لا ترى طحينا. ليت المنظمة الإسلامية تعود إلى ثوابتها و في مقدمتها الدفاع عن القضية الفلسطينية أمام ما يتهددها من اندثار بعد الحديث المتواتر عن صفقة القرن التي تسعى إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لتكريسها و هو ما يمثل تصفية للقضية الفلسطينية بالكامل.
في هذا الشأن أكد مؤتمر القمة الإسلامي في مكة “رفضه لأي مقترح للتسوية السلمية، لا يتوافق و لا ينسجم مع الحقوق المشروعة غيـــر القــــابلة للتصـــــرف للشـــــــــعب الفلسطينــي وفـــــق ما أقــــرته الشرعية الدولية، و لا ينسجم مع المرجعيات المعترف بها دولياً لعملية السلام و في مقدمتها القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، و جدّد إدانته و رفضه لأي مواقف تصدر عن أي جهة دولية تدعم إطالة أمد الاحتلال و مشروعه الاستيطاني التوسعي على حساب الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني، بما في ذلك اعتراف الإدارة الأمريكية بالقدس عاصمة لإسرائيل، السلطة القائمة بالاحتلال، و كذلك محاولات تقويضها لحقوق اللاجئين الفلسطينيين” كلام جميل نتمنى أن لا يبقى حبرا على ورق.
منظمة المؤتمر الإسلامي لعبت فيها تونس دورا رئيسيا من خلال تولي الأمانة العامة في بداية ثمانيات القرن الماضي من طرف المرحوم الحبيب الشطي الذي تعتبر فترته العهد الذهبي للمنظمة إذ تم خلالها إنشاء المنظمات المتخصصة و الفرعية و أضحت رقما صعبا في المنظومة الدولية و في العالم الإسلامي خاصة من خلال إنشاء مجمع الفقه الإسلامي الدولي الذي تولته شخصية علمية مرموقة في شخص مفتي الديار التونسية الأسبق المرحوم الشيخ محمد الحبيب بن الخوجة و لكن هذه المساهمة التونسية الرفيعة تناقصت في السنوات الأخيرة و من الضروري أن تستعيد بلادنا مكانتنا ضمنها باعتبار بلادنا تبقى دائما صوتا للتعقل و الرصانة و التسامح.
منظمة التعاون الإسلامي تستعد للاحتفال في سبتمبر القادم بالذكرى الخمسين لتأسيسها و الامل يبقى قائما في ان يكون اليوبيل الذهبي مناسبة لتأكيد الحاجة لها في عالم يقوم على حوار الحضارات و الثقافات و على التعدد و التنوع باعتبارهما ثراء للإنسانية جمعاء.