تونس – “الوسط نيوز” – بقلم : رؤوف بن رجب
هل انتقلنا من دكتاتورية السلطة التنفيذية إلى سلطة القضاء…!!؟؟
يجري يوم 7 جوان القادم الاقتراع في إطار الجمعية العامة للأمم المتحدة حول الأعضاء الجدد غير الدائمين في مجلس الأمن الدولي للفترة 2020-2021 علما و أن تونس تترشح للحصول على هذه العضوية باسم إفريقيا لتمثيل المجموعة العربية. لئن كان المراقبون يعتقدون أن شارعا عريضا كان أمام بلادنا للارتقاء لهذه المسؤولية الدولية الهامة بأكبر عدد من الدول الأعضاء فإن حبة من الرمل قد تكون في حجم الحجرة قد تحول دون حصول تونس لا على المقعد فالأمر يبدو محسوما لفائدتها و لكن في جمع أكثر عدد من الدول حول هذا الترشح مثلما كان منتظرا بالنظر إلى المكانة الخاصة التي تحتلها الدبلوماسية التونسية في الحفل الأممي بفضل الإرث الذي تركه عدد من الآباء المؤسسين من أمثال المنجي سليم و محمود المستيري و امحمد السعفي والطيب سليم و رشيد إدريس و غيرهم كثير و الذي عملت الأجيال المتوالية على المحافظة عليه و تدعيمه علما و أن تونس الصغيرة بحجمها فاعلة في المنتظم الأممي و هذه رابع مرة ترتقي إلى هذا المركز الرفيع.
حبة الرمل هذه تتمثل فيما سمي بقضية الجوسسة التي اتهم بها الخبير الأممي الذي يحمل الجنسيتين التونسية و الألمانية المنصف قرطاس، هذه القضية جعلت من ألمانيا و هي عضو غير دائم في مجلس الامن و كانت من أشد المدافعين على الترشح التونسي تصبح من أشرس المناهضين لذلك مما قد يكون له تأثير مباشر في عدد الدول التي تقف إلى جانب تونس علما و أن برلين كما يعلم الجميع من أهم أعضاء الاتحاد الأوروبي و موقفها قد يؤثر على علاقاتنا مع هذه المجموعة الأساسية بالنسبة لتونس في وقت نحن في اشد الحاجة إلى التفاف الدول الشقيقة و الصديقة حول بلادنا و ليس خافيا أن ألمانيا من أهم شركائنا خاصة منذ 14 جانفي 2011 و قد يكون من الأخطاء القاتلة أن نجعلها في الجانب المقابل في هذا التوقيت بالذات.
فضلا عن عديد الشخصيات الألمانية التي نشرت عريضة للمطالبة بإطلاق سراح منصف قرطاس فإن أكبر مستشاري الحكومة الألمانية لحقوق الإنسان كريستوف إيك أكد نفس الطلب مبينا أن المعني بالأمر يتمتع بالحصانة و أن الأمين العام للأمم المتحدة هو المخول الوحيد لرفع هذه الحصانة.
قضية المنصف قرطاس غريبة في شكلها و في تبعاتها فالمعني بالأمر خبير لدى الأمم المتحدة مكلف بمتابعة موضوع وصول الأسلحة إلى ليبيا التي هي محل حظر دولي و هو بهذه الصفة يتمتع بحصانة دبلوماسية أممية حسب المواثيق الدولية و هو أمر يعترض عليه القضاء التونسي إذ يقول سفيان السليطي الناطق الرسمي باسم القطب القضائي لمكافحة الإرهاب إن منصف قرطاس لا يتمتع بالحصانة الأممية خلافا لما تم تداوله و إن عدم تمتعه بالحصانة جاء بالنظر إلى أن الأفعال المنسوبة إليه كانت بسبب تحقيق المعني لمصالح خاصة و لم تكن في إطار تحقيق مصالح الأمم المتحدة فما هي المصالح الخاصة التي يمكن أن يتحصل عليها المعني بالأمر بمتابعة حركة الطيران من المطارات التونسية عبر جهاز يبدو أنه لا يتجاوز سعره المائة دينار تونسي حسب محاميه ثم كيف يمكن الإفتاء بالحصول على الحصانة الدبلوماسية من عدمه و الوزارة المعنية بالأمر و نعني بها وزارة الشؤون الخارجية التي يعود لها منح الحصانة لم تنبس بنت شفة و لعل الصمت المطبق لهذه الوزارة في حين أنها المعنية الأولى به و بتبعاته هو المستغرب و هو ما يضعها هي ذاتها في حرج تجاه الأمانة العامة للأمم المتحدة التي طالبت رسميا عن طريق الناطق الرسمي للأمين العام انطونيوغوتيريش وقد قال ستيفان دوجاريك الناطق الرسمي الأممي إن “احتجاز قرطاس و مقاضاته يمثل انتهاكا للامتيازات و الحصانات الممنوحة للسيد قرطاس بموجب الأمم المتحدة و أعلن أن المنظمة الدولية طلبت رسميا من تونس بأن “تفرج عنه فورا و تسقط الاتهامات الموجهة ضده”.
و في حين كنا ننتظر ردا دبلوماسيا على هذا الموقف الذي هو من نفس القبيل لم نر و لم نسمع شيئا لا من هذه الوزارة و لا من رئاسة الجمهورية المعنية أساسا بسياسة تونس الخارجية.
يبدو أنهما في حرج كبير ولكنهما يختفيان وراء ثقافة الدولة واستقلالية القضاء لعدم إبداء أي راي في الموضوع في حين أن لهذه المسالة تداعيات كبرى على علاقات تونس الخارجية سوف تؤثر تأثيرا قد يكون كارثيا على صورة تونس و مكانتها الدولية.
بغض الطرف عن الطريقة الاستعراضية التي تم بها إيقاف منصف قرطاس عند خروجه من المطار مما جعل البعض يدعي أنه وقع اختطافه فإن التعامل القضائي مع هذه المسالة يضعنا أمام عدد من نقاط الاستفهام التي لا يمكن التغاضي عنها.
القضية تتعلق بالحصول على معلومات أمنية متعلقة بمكافحة الإرهاب و إفشائها في غير المسموح به قانونا، حسبما جاء على لسان الناطق الرسمي باسم القطب القضائي فهل ترتقي هذه المعلومات إلى ما يمس بالأمن القومي التونسي حتى تبرر أن يقبع منصف قرطاس في السجن كل هذه المدة ثم هل أن دخوله البلاد بجوازه التونسي يعني تخليه الإرادي عن الحصانة كما يسوق لذلك ثم الأهم ماهو موقف الدبلوماسية التونسية من الحصانة التي تدعي الأمانة العامة للأمم المتحدة أن قرطاس يتمتع بها.
أسئلة عديدة لا مناص من الإجابة عنها و الأهم أليس الموضوع من اختصاصات مجلس الأمن القومي الذي يتراسه رئيس الجمهورية.
محامي منصف قرطاس محمد بن براهم قال في مداخلة على شمس فم أن كل تخوفاته أن تمر البلاد من دكتاتورية السلطة التنفيذية إلى دكتاتورية القضاء و هو تخوف يبدو في محله في قضية الحال.