- اصرار على الاستمرار تفسره المصالح و التحكم في القطاع
تقوم الهيئة العليا للإتصال السمعي البصري في المدة الأخيرة بحملة واسعة على المستوى الرسمي و الإعلامي في محاولة لتبرير قانونية استمرارها بشكلها الحالي حتى انتخاب هيئة تعديلية جديدة و ذلك بعد إنتهاء مهامها رسميا في 3 ماي الجاري بمقتضى المرسوم 116 المؤرخ في 2 نوفمبر 2011 و الذي ينص بصريح العبارة في فصله السابع على تعيين رئيس الهيئة و نائبه و أعضائها لمدة ست سنوات غير قابلة للتجديد.
و بناءا على ذلك فإنّ وجود عدد من أعضاء الهيئة الحالية هو وجود غير قانوني و يتعلق الأمر برئيس الهيئة النوري اللجمي و الأعضاء هشام السنوسي و الحبيب بلعيد وراضية السعيدي و القاضية منى الغرياني التي أبلغها مشغلها الأصلي (المحكمة الادارية) برفض التمديد لها في الإلحاق لنهاية المدة القانونية.
مسيرة مضطربة بمجموعة من الإستقالات لحياد الهايكا عن أهدافها يضمن المرسوم 116 محافظة بقية الأعضاء على وجودهم في الهيئة باعتبار أن عضويتهم لم تتجاوز الست سنوات و هما نائبة الرئيس آسيا العبيدي و العضو عادل البصيلي اللذان تم تعيينهما في الهيئة في جوان 2015 إضافة إلى آمال الشاهد لسد الشغور بعد استقالة كل من محسن الرياحي في جويلية 2014 و رشيدة النيفر و رياض الفرجاني في أفريل 2015 و قد سبقتهم رجاء الشواشي في أوت 2014.
و لئن كانت استقالة هذه الأخيرة مرتبطة بتعيينها رئيسة بالمحكمة الإبتدائية في تونس في إطار النقلة القضائيّة فإن رشيدة النيفر و رياض الفرجاني أرجعا استقالتيهمها إلى ما وصفاه بخرق الهيئة لثوابت التعديل و خاصة منها ضمان التنوع و التعدد و ذلك بعد اسناد الدفعة الأولى من الإجازات الاذاعية و التلفزية في جويلية 2014 و التي اعتبرها العضوان المستقيلان منفذا إلى ارتهان القطاع السمعي البصري لسلطة المال و السياسة و الرياضة.
و يذهب محسن الرياحي في تبرير أسباب استقالته نحو هذا المنحى و يفسرها بغياب المصادقة داخل الهيئة على تمشي شفاف و متكامل يضمن حقوق المترشحين للحصول على رخص بعث الإذاعات و التلفزات بحظوظ متساوية.
و يستنتج من مضمون هذه الإستقالات الثلاث أن الهيئة العليا للإتصال السمعي البصري تتعامل بموازين مختلفة عند إسناد تراخيص البث رغم اصرارها في جميع المناسبات على التأكيد على النزاهة و الشفافية.
و لئن لم تفصح آمال الشاهد عن أسباب استقالتها من الهيئة في مارس 2016 فإنها قد تكون منصهرة ضمن الأسباب التي كانت وراء استقالة محسن الرياحي و رياض الفرجاني و رشيدة النيفر.
رئيس الدولة يخاطب الهايكا بصرامة القانون و كان الرئيس الباجي قائد السبسي واضحا لدى استقباله وفدا عن الهيئة يوم الجمعة 17 ماي حيث أبلغهم بوجوب احترام الجميع للإلتزامات القانونية طبقا لما يفرضه المرسوم 116 و هي عبارات منتقاة و مقصودة حسب المتابعين للشأن الإعلامي في تونس و تتضمّن إشارات واضحة للهيئة حتى تدرك جيّدا مقاصد النص القانوني و بالتالي فإنّ أن عضوية عدد من أعضائها قد انتهت قانونيا و أنّه عليها اضافة إلى ذلك التقيد بتجديد ثلث أعضائها كل سنتين و هو ما لم تقم به الهيئة مطلقا تحت تبريرات مختلفة و منها انها استشارت المحكمة الإدارية في هذا الخصوص و قد أبلغتها أن سدّ الشغور بعد جملة الإستقالات يقوم مقام تجديد ثلث الأعضاء.
و حتى و لئن اعتبر هذا التبرير وجيها فإن الهيئة تجاوزت المدة القانونية للتجديد بعد سدّ بعض الشغورات في 2015 و كان عليها بالتالي القيام بالتجديد الثلثي في 2017 حسب بعض الآراء القانونية.
من سيفرض على الهايكا الإلتزام بالقانون ؟ و يعتقد عدد من المتابعين للموضوع أن الهايكا تبحث على التبرير ذاته لعدم تجديد ثلث أعضائها مطلقا و الدليل أنها طلبت مؤخرا من رئاسة الحكومة سد الشغور في تركيبة مجلس الهيئة المنقوصة من عضوين، و ستستغل ذلك لتوصيفه بمثابة التجديد.
و لكن المراقبين يستبعدون قيام الحكومة باصدار أمر تسديد الشغور في الوقت الحالي حتى تتضح الصورة القانونية لمستقبل الهايكا.
و تحاول هيئة الإتصال السمعي البصري في اطار حملتها لدى الجهات الرسمية و وسائل الإعلام الإقناع بأن الدستور يسمح لها بالاستمرار حتى انتخاب هيئة تعديلية أخرى و لئن يؤكد جل المتخصصين في القانون أن النص الدستوري يتيح للهيئة الإستمرار فإن ذلك يتعين أن يكون في اطار الخضوع لمقتضيات المرسوم 116 الذي يحدّد العضوية في الهيئة بست سنوات و يفرض القيام بتجديد ثلث الاعضاء كل سنتين.
و يتوقع ان تشهد الأسابيع القليلة المقبلة حسما في الموضوع سيكون في الغالب باتجاه احترام القانون و يبقى السؤال يتعلق بالجهة الرسمية التي ستبادر بفرض تطبيق القانون على الهايكا أم أن هذه الأخيرة ستقوم بالتعديل الذاتي ؟
و لكن السؤال الأهم الذي يطرحها كثيرون يتعلق بالأسباب التي جعلت جل اعضاء الهايكا يتمسكون طيلة مسيرتها منذ 3 ماي 2013 بمواقعهم ويرفضون الخضوع للتجديد كل سنتين ؟