لم تتحرّك رئاسة الحكومة المشرفة إداريا على التلفزة التونسية بأي شكل من الأشكال بعد أن تكرّرت هفوات البث في المؤسسة بقناتيها الأولى و الثانية. و يتساءل كثيرون عن هذا الصمت خاصة و أن الحكومة كانت سارعت في مناسبات سابقة باتخاذ قرارات صارمة و أقالت رئيسين مديرين عامين بعد ارتكاب أخبار القناة الوطنية الأولى لهفوتين فادحتين تعلقت الأولى ببث مشهد فضيع لرأس الشهيد الراعي مبروك السلطاني مقطوعا وسط ثلاجة في حين تعلقت الثانية بعدم بث نشرة الأخبار الرئيسية.
و نتج عن الهفوتين إقالة الرئيسين المديرين العامين مصطفى باللطيف في الحادثة الأولى و إلياس الغربي في الحادثة الثانية.
و كانت رئاسة الحكومة حازمة في تلك المواقف سعيا منها الى المحافظة على مصداقية المرفق العمومي التلفزي و عدم انسياقه وراء الفوضى و عدم المهنية و التسيب.
و لكن بعض المراقبين حينها برروا ذلك بخروج المسؤولين المذكورين عن حدود مهامهما و استقلاليتهما و سعيهما الى كسب دعم أطراف سياسية فاعلة حزبية أو في الجانب الثاني من السلطة التنفيذية.
و يرى عدد من المراقبين للشأن الإعلامي في تونس أن رئيس مدير عام التلفزة التونسية الحالي يحظى بدعم قوي من أطراف فاعلة في رئاسة الحكومة و قد عملت على مساندته للحصول على المنصب في مناظرة الهايكا التي قد تكون رضخت لتعيينه مقابل وعدها بالتخلي عن المشروع الحكومي المتعلّق بقانون الإتصال السمعي البصري و الذي يتضمن من بين محتوياته مشمولات الهايكا و مهامها و المساحة المخولة لها لتعديل المشهد الإعلامي السمعي البصري.
- علاقة متوترة…
و لكن علاقة الهايكا بالحكومة لم تستمر على أحسن وجه بعد الرأي المطابق لتعيين المسؤول الأول عن التلفزة التونسية حيث لم يتحسن مضمون مشروع قانون الاإتصال السمعي البصري وفق رغبات الهايكا كما أن هذه الأخيرة منزعجة حاليا من غياب موقف حكومي صريح من مآل هيئة الإتّصال السمعي البصري بعد نهاية الفترة القانونية لأعضائها يوم 3 ماي الجاري و هي المدة المحددة بست سنوات في المرسوم 116 و يتعين بالتالي تغييرهم حتى و لو سمح الدستور في أحكامه الإنتقالية للهايكا بالإستمرار إلى حين انتخاب هيئة جديدة.
و قد طالبت الهيئة مؤخرا الحكومة بسدّ الشغور الحاصل في تركيبتها حيث هي منقوصة من ثلاثة أعضاء و لكن يبدو أن رئاسة الحكومة تتفادى ذلك باعتبار أن هذه الهيئة تتجاوز القوانين المنظمة لها و لم تجدد ثلث أعضائها كل سنتين.
و نتيجة الصمت الحكومي لجأت الهايكا إلى رئيس البرلمان محمد الناصر و حصلت منه على دعم لمواصلة مهامها حسب رئيس الهايكا النوري اللجمي و لكنه لم يوضح إن كان رئيس مجلس نواب الشعب طالب الهيئة بالانضباط لمقتضيات المرسوم 116 أم تفادى ذلك.
و تحاول جهات مقربة من رئيس مدير عام التلفزة و من مسانديه اعطاء الإنطباع أن الهفوتين الحاصلتين في التلفزة منذ بداية شهر رمضان المبارك هما من تدبير أشخاص مناوئين لرئيس المؤسسة و يتآمرون عليه لأنه في اعتقادهم يحقق نجاحات في إصلاح المؤسسة.
- من هو المساند الرسمي للداهش…!!؟؟
و يتهم هؤلاء حزب النهضة بأنه يقف وراء ذلك وقد تعددت التعاليق السائرة في هذا الإتجاه على صفحات الفايسبوك لعدد من العاملين في مؤسسة التلفزة او كذلك مؤسسة الاذاعة التي يتولى لسعد الداهش إدارتها.
و قد يكون غاب عن هؤلاء أن حزب النهضة كان مساندا لترشيح محمد لسعد الداهش لإدارة التلفزة خصوصا و أن الأخير قضى فترة من العمل في القناة الليبية الموالية لعبد الحكيم بلحاج في تركيا…!!
و يتأكد تأييد النهضة من خلال دعم القيادي في الحزب عبد اللطيف المكي لرئيس مدير العام التلفزة بعد بث البرنامج الديني المادح لبن علي و الذي قال في برنامج في اذاعة جوهرة “إن الرئيس المدير العام الحالي للتلفزة التونسية يعمل في وضع قانوني هش و لا يعمل في أريحية نتيجة تدخلات مستمرة من المستشار الإعلامي لرئيس الحكومة”.
و يعتبر العاملون في مؤسسة التلفزة أن تهمة النوايا المبيتة خطيرة و هم ينزهون زملاءهم الذين أخطأوا عن حسن نية و يرجعون ما حصل إلى تذبذب في تسيير المؤسسة.
و يقول جل ابناء التلفزة إنّهم عملوا بتفان في مناسبة الإنتخابات البلدية سنة 2018 و القمة العربية و هم يترفعون عن أي عمل من هذا القبيل دفاعا منهم عن سمعة المرفق العمومي بعيدا عن التوافقات و الضغوط و الصراعات الخارجية في أي مستوى كان و هم يلومون عددا من المسؤلين استقواءهم بأطراف فاعلة في السلطة أو الأحزاب الحاكمة للحصول على مناصب لا يستحقونها أو أنهم الأقل كفاءة لتوليها…!!