تونس – “الوسط نيوز” – قسم الشؤون الاقتصادية
الغاء 200 ألف مقعد… و اهدائها “مجانا” إلى الشركات المنافسة…!!؟؟
المطلوب من اتحاد الشغل التكفير عن أخطائه المتراكمةمنذ 14 جانفي
تأجل المجلس الوزاري المخصص لوضعية الخطوط التونسية الى يوم غد الجمعة… ليتم الاقتصار على النظر في برنامج هزيل يهدف لانقاذ الموسم الحالي بقيمة زهيدة ب 90 مليون دينار و الغاء 200 الف مقعد من بين اكثر من مليون و 500 ألف مقعد و بالتالي رفض مطالب الحرفاء في فترة الذروة أي تقديم خدمة مجانية بل خبيثة للشركات المنافسة…؟؟؟
و المؤكد أنه لم يكن من السهل وصول مفخرة التونسيين و رافعة لوائهم عبر أنحاء العالم إلى هذه الوضعية الكارثية. فالإفلاس الذي يتهدد الخطوط التونسية نتيجة تراكم المشاكل و تواتر الخيارات الخاطئة من قبل الأطراف الماسكة بالسلطة منذ 2011 إلى اليوم و على رأسها حزب حركة النهضة التّي دمّرت الناقلة الوطنية كغيرها من المؤسسات العمومية عبر التعيينات المسقطة و القائمة على الولاء و إنعدام الكفاءة, و عبر تكديس الإنتدابات بإعتماد منظومة العفو التشريعي العام بالإضافة لبدعة إصلاح المسار المهني التّي مكنت منعدمي الكفاءة من الالتحاق بالإدارة و هم حاملي الحقائب و السواق و عمال الشحن بعد مغادرة أماكن عملهم الأصلية التي انتدبوا من أجلها و تمتيعهم بترقيات إستثنائية إعتمادا على شهائد علمية مشكوك و مطعون في صدقيتها.
و قد ظل هذا الملف الخطير بدون ادنى اجراء و لم يحرّك الوزراء المتلاحقون على رأس وزارة النقل و الرؤساء المديرون العامون للشركة ساكنا لفتح هذا الملف و التثبّت على الأقل من صحة الشهائد المقدّمة و الأساس القانوني الذي تمّ إعتماده للسماح بمغادرة مواقع عمل إنتدبوا من أجل تأمينها و بالتالي خلق اختلال في توزيع الموارد البشرية مما منعها من تأمين أبسط واجباتها (تحميل الحقائب، تسجيل المسافرين…) و فرض اللجوء للإنتدابات الموسمية و شركات المناولة قصد سد الشغورات بما يزيد في تحميلها أعباءا مالية دون التغافل عن المّس بسلامة و أمن الرحلات…!!!
- تدمير ممنهج… و افلاس داهم…!!!
و اليوم و بعد أن تبيّن لمختلف الأطراف المتداخلة خطورة و كارثية وضع الشركة قرّرت الحكومة الحالية عقد غدا مجلس وزاري يتجاهل النظر في إعادة هيكلة الشركة و إنقاذها و البحث في اسباب إفلاسها و تدميرها الممنهج و يكتفي بحقنة مهدّئة قد تمكنها من مواصلة النشاط في الصائفة المقبلة بتأمين عودة التونسيين بالخارج و تنقل الحجيج التونسيين الى البقاع المقدّسة تفاديا لغضب التونسيين في سنة إنتخابية…!!!
و يعلم كلّ متابع أمين للشأن الإقتصادي أنّ الخطوط التونسية تمثّل عينّة من بين عشرات المؤسسات العمومية التّي عبثت بها أيادي عديمي الكفاءة الساعين للحفاظ على كراسيهم و مواقعهم عبر التقرّب للطرف السياسي القوي ممثّلا في حركة النهضة و عبر مهادنة الإتحاد العام التونسي للشغل الذّي تبنّي مختلف طلبات العمال الشرعية و الغير شرعية و دافع عن منظوريه ظالمين أو مظلومين تحت شعار “عاش عاش الإتحاد أكبر قوة في البلاد” ممّا تسبّب في إفلاس الدجاجة التّي تبيض ذهبا و جعل من إنقاذها حلما بعيد المنال في ظلّ إفلاس الدولة و عدم تجاوب الحكومة.
فالخطوط التونسية تعيش وضعية غريبة غير مسبوقة باعتبار ان برنامج إعادة الهيكلة جاهز يحتوي على قرارات موجعة عل غرار تسريح العمال و إحالتهم على التقاعد المبّكر و قد حظي بالقبول و المصادقة من مختلف نقابات المجمع لوعيهم بخطورة الوضعية و خوفهم من فقدان موارد رزقهم.
الا أن الحكومة رفضته دون أن تقدّم برنامجا أو مخططا لإعادة هيكلة الشركة يترجم خياراتها و رؤيتها لإنقاذ الناقلة الوطنية.
مخطط كان يمكن أن يكون المنطلق لمعالجة ملف المؤسسات العمومية الأخري خاصة مع تفهّم الطرف النقابي و قبوله لمختلف الحلول المقترحة.
و الغريب اليوم أنّ المسؤولين على الملف الإقتصادي بالقصبة منذ 2011 إلى اليوم (توفيق الراجحي الوزير لدي رئيس الحكومة المكلّف بالإصلاحات الكبري و رضا السعيدي الوزير المستشار الإقتصادي لدى رئيس الحكومة بالإضافة للوافد الجديد الغريب مع حكومة يوسف الشاهد لطفي بن ساسي) لا يفوتون فرصة دون التأكيد على تحوزّهم على الوصفة السحرية الكفيلة بإنقاذ المؤسسات العمومية و إخراجها من وضعية الإفلاس التي تعيش لتكون المفاجأة و الصدمة بمناسبة الحوار الوطني حول قطاع النقل بتصريح رئيس الحكومة الذي أكّد أنّ لا حلول و لا أموال لدى الدولة و أنّ الحكومة لا تستطيع توفير 1300 ملون دينار لإنقاذ الخطوط التونسية و أنّ هذا المبلغ غير معقول و مبالغ فيه و أنّ تسريح العمال للتقاعد لا يكفي…!!!
فهل علموا أنّ خسائر الخطوط الفرنسية في الثلاثي الأول فقط لسنة 2019 هي في حدود 303 مليون أورو أي في حدود 1020 مليون دينار تونسية و أنّ أوّل الخطوات المتخذّة من قبل مجلس إدارة هذه الشركة هو الشروع في عملية التسريح الإجباري للعمال قصد إيقاف نزيف الخسائر المالية على غرار ما أقترح في أحدّ نقاط برنامج إعادة هيكلة الخطوط التونسية كأوّل نقطة تتلوها نقاط و قرارات أخرى و حظي بموافقة الأطراف الإجتماعية و بقي إلى اليوم يراوح مكانه في أدراج الوزارات دون تطبيق.
و رغم التصريحات المتتاية لوزير السياحة المؤكدة على أنّ الموسم السياحي سيكون إستثنائيا من حيث عدد السياح، فإن ثلث أسطول الناقلة الوطنية ـ التّي أمنّت تنقل 70 في المائة من السياح الوافدين على تونس منذ بداية النشاط السياحي في بلادنا ـ معطّب و رابض في ورشات الصيانة كما أنّ عددا من محرّكات الطائرات محجوز في كندا بعد إصلاحه بسبب عجز الخطوط التونسية عن تسديد الفاتورة.
و هل يعلم القائمون على القطاع السياحي و مختلف الأطراف المتداخلة من وكالات أسفار و نزل و وحدات سياحية و متعهدّي رحلات أنّ الناقلة الوطنية لا تشغّل اليوم إلاّ 20 طائرة و أنّ إلغاء الرحلات بصفة مبكرّة و تقليص عدد الكراسي المعروض للبيع (الغاء 200 الف مقعد من بين اكثر من مليون و 500 ألف مقعد) عوض السعي لترويج الوجهة التونسية و الترفيع في عدد الرحلات أصبح هو الشغل الشاغل لعملة و موظفي هذه الشركات تفاديا لكارثة حقيقية و العجز عن التعويض المالي للمسافرين جرّاء تأخر الرحلات أو إلغاؤها في آخر لحظة.
الثابت أن عدم فتح ملّف الناقلة الوطنية بكل جرأة و جدّية إنطلاقا من وضعية شركاتها الفرعية و على رأسها التونسية للخدمات الأرضية المتعهدّة بنقل و تحميل الحقائب و تسجيل المسافرين و الخطوط التونسية الفنية المتعهدّة بالصيانة و اذا لم نحاسب كل من تسبّب في تخريبيهما بعد أن كانتا مفخرة مجمع الخطوط التونسية فإن اللامبالاة و الفوضى ستتواصل في ظل تهاون الدولة و تقاعسها عن القيام بواجباتها.
و قد سبق لوزير النقل الحالي هشام بن أحمد و كذلك الشأن للسيد الرئيس المدير العام الياس المنكبي ان اكدا على ضرورة المحافظة على الخطوط التونسية و عدم التفويت فيها و هو موقف جريء و صائب يسمح بإعادة الإعتبار لهذه الشركة عبر محاسبة المنسبين و كشف الحقائق و إعادة الجميع للعمل الجاد بعيدا عن الحسابات السياسية الضيقة و السعي لكسب وّد الإتحاد العام التونسي للشغل الذي لا نخاله يقبل أن يكون متستّرا على الفاسدين.
و في كل الحالات فإن المنظمة الشغيلة ستكون أكبر و أول الخاسرين في حال إفلاس الناقلة الوطنية و غيرها من المؤسسات العمومية لكونها الخزّان البشري الأساسي لها.