-
النخب متواطئة وجبانة… ولابد من ثورة في التعليم والثقافة
-
الثورة كانت قفزة في الفراغ أستثمره الاسلام السياسي
-
ما يحدث في إيران والسعودية مؤشر لسقوط الدولة الدينية
أونيفار نيوز – لقاءات نورالدين بالطيب أعتبر الدكتور علي العمري المشغول بالحفر في الذهنية العربية وأستنطاق المخيال العربي الاسلامي أن الاسلام السياسي أنحسر في المستوى السياسي لكن الذهنية مازالت حاضنة له وهو ما يحتاج ثورة ثقافية حقيقية تجفف منابع الاسلام السياسي في الثقافة والتعليم .
وهذا نص الحوار مع صاحب كتاب “داعش التي تنام بيننا “و “كذئب منفرد “.
كيف تقرأ ما يحدث في إيران والسّعوديّة ؟
تدلّ وقائع كثيرة على أنّ الدّولتين الّتين تتربّعان على عرش الأرثوذكسية الدينيّة في العالم الإسلامي، بشقّيها السنّي والشّيعيّ، تعيشان نوعا من الثّورة على مفهوم الدّولة الدّينيّة الّذي يتحكّم في الحياة السياسيّة ونمط الحياة ومنظومة القيم. ففي المملكة السعوديّة تتعالى الأصوات مطالبة بالإصلاح، وخصوصا مع تنامي احتجاجات النّساء وخروج النّقد الموجّه إلى العائلة الحاكمة من المجالس المغلقة إلى وسائل التواصل الاجتماعيّ.
يتزامن ذلك مع ضغوطات خارجيّة تمارس على المملكة تحثّها على التخلّي عن البنية الإيديولوجيّة المهيمنة الّتي أسهمت في انتشار التيّارات المتشدّدة والأصوليّة. وتحاول السعوديّة تقديم تنازلات في هذا المجال. وعلى الرّغم من أنّها تنازلات محدودة وجزئيّة فإنّها تعلن عن الدّخول– كراهةً أو طواعية– في زمنيّة الحداثة. وإذا كانت الثورة الدّينيّة في السّعوديّة هادئة نسبيّا وذات نطاق محدود، فإنّها تأخذ في إيران طابعا دراميّا تتزامن فيه مع ثورة سياسيّة تعلن صراحة عن عدائها لنظام الملالي، وتتصدّر فيها النّساء المواجهة مع ذلك النّظام على نحو يعطيها بعدها الثقافيّ، ويكسبها هويّتها الحداثيّة. وليست معركة الحجاب هنا سوى جزء من معركة أشمل هي المعركة ضدّ الدّولة الدّينيّة.
أظنّ أنّ ما يحدث في الدّولتين يؤذن ببداية نهاية الدّولة الدّينيّة في معاقلها الأساسيّة.
ولكنّها إذ تتراجع في المستوى الواقعي، تظلّ راسخة في الفكر والمخيال الجمعيّ، نتيجة عوامل ثقافيّة وفكريّة كنت قد تعرّضت لها بالشّرح في كتابي “داعش الّتي تنام بيننا”.
كيف ترى واقع الإسلام السياسيّ في تونس؟
الإسلام السياسيّ يتراجع في المستوى السياسيّ بعد الضّربات الموجعة الّتي وجّهت له في معاقله الأساسيّة وبعد وأد حلم التّمكين في تونس وسوريا وليبيا كليّا أو جزئيّا، ونتيجة الأخطاء القاتلة الّتي مارسها كدعم التشدّد والإرهاب واستهداف المكاسب الاجتماعيّة والسياسيّة والحقوقيّة.
تزامن ذلك مع تغيّر السّياسة الأمريكيّة في المنطقة بعد فشل توطين ما سمّي ب“الإسلام المعتدل”. خطر الإسلام السياسيّ يظلّ داهما لكونه متغلغلا من الناحيّة الفكريّة في فئات واسعة من المجتمع، في ظلّ غياب إستراتيجيّة ثقافيّة لمقاومة ذلك التغلغل وضعف النّخب وجبنها الفكريّ وتواطئها أحيانا، وانهيار نظم التّعليم وعجز المدرسة عن القيام بدورها المتوقّع في تلك الحرب.
في مقابل ذلك يمتلك الإسلام السياسيّ حاضنةً ثقافيّة وشبكةً من الوسائط والأدوات والمؤسّسات تسمح له بالهيمنة والانتشار. أظنّ أنّ الحاجة ماسّة هنا إلى إصلاح المؤسّسات التربويّة والثقافيّة لتعديل كفّة المواجهة في هذه المعركة غير المتكافئة.
ما هو تقييمك للحملة الانتخابيّة وكيف سيكون البرلمان القادم؟
تبدو لي حملة كاريكاتوريّة وذات طابع كرنفالي الهدف من ورائها البحث عن شرعيّة شكليّة للحكم القادم، وهي إضافة إلى ذلك تفتقر إلى هويّة فكريّة وسياسيّة، ولذلك فهي غير قادرة على خلق نقاش مفيد حول الأوضاع الدّراميّة التي تعيشها تونس. أمّا عن البرلمان فسيكون برلمانا محافظا مواليا للرّئيس، ولن يكون له دور كبير في صياغة السّياسات. أظنّ أنّ البنك الدّولي سيكون الحاكم الفعلي لتونس في السنوات القادم.
هل نعيش مرحلة من العبث السياسيّ ؟
نحن نعيش مرحلة نهاية السّياسة بمعناها الكلاسيكيّ وما تشهده الدّيمقراطيات العريقة في الولايات المتحدة وأوروبّا من انتشار للشّعبويّة السياسيّة وصعود للتيّارات اليمينيّة خير دليل على ذلك. أمّا في تونس فنحن نعيش العبث السياسيّ منذ سنوات وسندخل قريبا في مرحلة الانتحار السياسيّ إن لم نغيّر المشهد.
اليوم عشيّة ذكرى الثّورة كيف تقرأ كلّ ما حدث في تونس منذ 14 جانفي ؟
من الصّعب قراءة ما حدث قراءة منصفة لما يحيط بتلك “الثورة” من غموض والتباس رافق حدوثها وأحاط بمساراتها، ولكن يمكن القول مع ذلك إنّ افتقارها لشروط الثّورة، إضافة إلى التدخّل الخارجي الّذي لعب دورا كبيرا في توجيهها و“تجييرها” لصالح الإسلام السياسيّ، قد جعل منها ثورة محافظة فكريّا وسياسيّا، وبلا أفق، ويمكن اعتبارها من هذه النّاحية قفزة في فراغ سياسيّ استثمرته أطراف داخليّة وخارجيّة لتحقيق مكاسب سياسيّة.