لا شك أن الديمقراطية ليست النظام السياسي المثالي بل هي أقل الأنظمة سوء لا غير، ولم يكن أمامنا خيار آخر غير إنتهاج هذا المسار، بالرغم من غياب الظروف والمعطيات والشروط وأغلب مكونات البيئة التي تؤمن تواصله وإمتداده. هي مغامرة بكل ما في المغامرة من مخاطر ، لذلك لا يجب أن نبتئس كثيرا بما يحدث من تجاوزات وما يطفو من خروقات وما يستجد من مهازل وفضائح، فالديمقراطية التي جاءت إلينا بتلك الوجوه الفلكلورية المحملة بالسذاجة والجهل والحماقة والغباء والإنتهازية، وأثثت بشطحاتها العديد من جلسات المجلس الوطني التأسيسي و مجلس نواب الشعب ومجالس البلديات، ومازال بعضها ينعم بأضواء البلاتوهات الإذاعية والتلفزية، هي ذات الديمقراطية التي رفعت الزعيم النازي أدولف هتلر إلى سدة الحكم في ألمانيا، وهي التي جاءت بأكبر مجرمي الحرب في التاريخ المعاصر، أمثال بيغين وشامير وشارون ونتنياهو في إسرائيل، ومكنت الفلكلوري دونالد ترامب من رئاسة أقوى دولة في العالم، ونصبت الطرطور زيلنسكي على رأس أوكرانيا، وبوأت العنصريين في أوروبا مواقع هامة في المشهد السياسي والإئتلافات الحاكمة، وحولت بعض البرلمانات إلى مايشبه السرك.، هذه الديمقراطية، هي أيضا، التي تم تنزيلها تنزيلا وفرضها بالطائرات المقاتلة في العراق فحولته إلى ساحة وغى تتناحر فيها الطوائف والأعراق.
بٱسم هذه الديمقراطية التي يبشر بها، يبرر الغرب الأطلسي كل أنواع الإنتهاكات ، ويغذي صراع الحضارات وحرب الأديان ويحمي حليفته إسرائيل ويضعها فوق القانون الدولي .بقي أن كل هذا لا يبرر مطلقا الوقوف ضد الديمقراطية وتحميلها كل ما حل بنا من كوارث، وبالتالي معارضة إعتمادها كنظام حكم هو الأقل سوء، كما ذكرنا آنفا، ولكن لا بد من تجنب الوقوع في الفخاخ التي وقع فيها الآخرون، إذ الإستعمال السيء
والعشوائي والمرتجل للديمقراطية يتسبب في كوارث لا تتحملها الشعوب .
نحن الآن، في تونس، أمام إمتحان الديمقراطية، فإما أن تنتهي المغامرة بالوصول إلى مرافئ الأمان بأقل ما يمكن من الخسائر ، وإلا حملتنا العاصفة إلى حيث الفوضى العارمة ، وكل شيء ، في نهاية الأمر بأيدينا، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها.