لاول مرة منذ عودتها الى النشاط السياسي العلني في 2011 و تصدرها للمشهد السياسي بل سيطرتها عليه بالكامل و على مفاصل الدولة و أجهزتها و فرض أجنداتها، أصدرت حركة النهضة بيانا غاضبا يدين مكاتب سبر الأراء و يشكك في نزاهتها و يدعو الى ضرورة ضبط آليات قانونية لمراقبة عملها حتى لا تساهم في خلط أوراق المشهد السياسي ! هذا البيان جاء متأخرا و لا يمكن تفسيره إلا بتراجع حركة النهضة في حصد ثقة التونسيين بعد النتائج الكارثية في كل القطاعات منذ سقوط النظام السابق و تصدر حركة النهضة للمشهد و حكم البلاد بشكل مباشر بين 2012 و 2014 و بشكل غير مباشر من 2015 الى اليوم.
و قد أدٌت سياسة حركة النهضة الى خلق حالة من اليأس و الاحباط بين التونسيين كانت نتيجتها الطبيعة الصعود الكبير لأنصار النظام السابق مثل الحزب الدستوري الحر الذي صعد للمرتبة الثالثة و كل المؤشرات تؤكد أنٌه سيكون قوٌة انتخابية بدأت حركة النهضة تقرأ لها ألف حساب، و رغم حفاظها على المرتبة بنسبة 18 بالمائة في آخر أستطلاع للرأي فإن حركة النهضة تدرك أن منافسيها مثل الدستوري الحر و تحيا تونس و نداء تونس و مشروع تونس و آفاق تونس و المبادرة و البديل التونسي سيلتقون في مجلس نوٌاب الشعب (جل مكوٌناتهم دستورية) لتشكيل حكومة دون حركة النهضة التي ستجد نفسها في المعارضة و لن تنجح في مشهد كهذا من التأثير في مجلس نوٌاب الشعب مركز السلطة الأساسي.
فحركة النهضة اليوم تدرك أن مرحلة الباجي قايد السبسي المبنية على التوافق أنتهت و أن الشعب التونسي أدرك أن الأسلاميين بعد ثماني سنوات من الحكم عاجزون عن ان يكونوا رجال دولة و أنهم لم يتخلصوا من إرثهم الدعوي التكفيري فثماني سنوات كانت كافية ليكتشف الشعب التونسي حقيقة الحزب “الذي يخاف الله” و مع الأقبال على التسجيل في الأنتخابات ستكون الأنتخابات القادمة نهاية هيمنة النهضة على المشهد السياسي و ستُخرجها الصناديق من الحكم. هذا ما فهمته حركة النهضة من نتائج سبر الآراء و صعود القوى الدستورية و نهاية “الحلم الثوري” الذي كانت تراهن عليه بعد أن تحوٌلت الثورة الى كابوس في الحياة اليومية للتونسيين.