لا شك ان توتر العلاقة بين النظام السابق و شريحة الشباب هو الذي كان احد المبررات الايديولوجية لما عاشته تونس يوم 14 جانفي 2011.
و تعود اسباب هذا التوتر الى انعدام الشعور لدى الشباب بافق واضح للمستقبل في ظل تنامي البطالة و انتشار المحسوبية و هذا الاحساس الموضوعي استغلته المعارضة الباحثة عن اسقاط النظام لخلق اليات “تأطير” جديدة للشباب من اهمها توظيف التعبيرات الشبابية التي اكتسحت ملاعب كرة القدم و منحها بعدا سياسيا.
و قد خلق هذا التداخل حالة من تبادل التأثير و التأثر بين فضاء الملعب و فضاء المؤسسة التربوية تجلى في ابرز حالاته في ظاهرة “دخلة الباكالوريا” التي اصبحت احتفالا سنويا تعيشه المعاهد الثانوية في كل انحاء الجمهورية تزامنا مع انطلاق اختبارات البكالوريا في مادة الرياضة.
هذا الاحتفال هو في ظاهره استنساخ لما تقوم به جماعات المغالين في ملاعب كرة القدم من اعداد لوحات فنية تحمل رسائل ذات ابعاد فنية و سياسية و ايديولوجية لأنها تمثل في ظاهرها قدرة على الابداع الفني و لكنها في عمقها موقف مما يحدث في تونس و العالم من احداث.
و هذا ما يمنح هذا النمط في التعبير اهميته بوصفه يمثل الى جانب موسيقى الشارع و “الغرافيتي” شكلا من اشكال تعبير الشباب عن ذاته و عن تطلعاته خاصة و ان السنوات الاخيرة لم تشهد –للاسف– تجسيرا للهوة بين الشباب و المؤسسات السياسية من احزاب و منظمات.
و يضاف الى ذلك عدم تغير فعلي في مواجهة مشاغل الشباب و مشاكله, ذلك ان البطالة في صفوف الشباب لم تنخفض بل تعمقت و اضيف اليها ميل الشباب المتزايد للهجرة سواء كان ذلك بشكل منظم او من خلال المغامرة عبر الهجرة غير النظامية.
و من خلال اهتماماتي بالثقافة الشبابية و متابعتي لظاهرة “دخلة البكالوريا” منذ سنوات استوقفتني ما تضمنته “دخلة بكالوريا 2019″ من رسائل تمثل الى حد كبير قطيعة مزدوجة مع الطبقة السياسية التي تدير هذه المرحلة من تاريخ تونس و مع حالات الاحباط و الفوضى التي طبعت “الدخلة ” في السنوات الفارطة فقد تجسدت القطيعة مع الاحباط و الفوضى في غياب لافت و محمود للشماريخ و للشعارات المستنسخة من هتافات الملاعب و ما برافقها من حماسة لا تخلو من توتر و من فتح الباب امام الانفعالات.
في هذا الغياب عودة لاستقلالية كانت مفقودة لفضاء المؤسسة التربوية امام فضاء “الملعب الرياضي” الذي اكتسحت في السنوات الفارطة اجواؤه و شبه ثقافته الفضاء المدرسي و التربوي.
و لم يتوقف استرداد الفضاء التربوي عند هذا الحد فقط بل صاحبته مضامين جديدة في ابعادها السياسية لانها شكلت قطيعة معلنة مع الطبقة السياسية من خلال التعبير عن رفض صريح لاهم رموزها.
كان النقد واضحا للتوافق الذي لم يستفد منه الا شخصان و هما الباجي قائد السبسي و راشد الغنوشي و للافلات من العقاب و لانسداد الافق و لضعف المنجز في السنوات الاخيرة.
تلاميذ البكالوريا وجهوا رسالة واضحة يتعين على الجميع قراءتها جيدا لانها تحمل في طياتها اشارات واضحة على ان صبر الشباب اخذ ينفذ و على ان القطيعة بينه و بين الحقل السياسي الرسمي بكل تعبيراتها تزداد تاكدا و هو ما يدعو الى وضع سياسات تستجيب لتطلعات شباب اصبح يشعر اكثر من اي وقت مضى بخيبة امل مريرة و خطيرة.