-
“لا ألوم أي بلد… يَخْشَى أن تَسْخَطَهُ أمريكا بإنْزَال الاف الدواعش على حدوده”…!!!
تونس – “أونيفار نيوز” – كتب : عبد العزيز قاسم
بعد فشلها بمجلس الأمن الدولي في تمرير القرار المدين ل “الغزو” الروسي لأوكرانيا، استطاعت الولايات المتحدة أن تحشد في الجمعية العامة للأمم المتحدة 141 دولة من بينها تونس لفائدة الإدانة. وحتى إذا صح أن الرئيس الروسي قام بمنكر فإن أميركا هي آخر من يحق له النهي عن المنكر.
فمنذ أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها دمر الجيش الأمريكي بمساندة الناتو ما لا يقل عن 20 مدينة في العالم وضحاياه من المدنيين يعدون بالملايين وما زال إلى يوم الناس هذا يحتل العراق وأجزاء من سوريا بالحديد والنار.
لقد حكم الحكماء بأن كل الحروب قذرة، بما فيها العادلة. ولكن هل ترك الغرب لبوتين خيارا آخر؟ ماذا يريد بوتين؟ يريد أمرين اثنين ببساطة : ابتعاد قوى البطش والعدوان ممثلة في الناتو السيئ الذكر عن حدود بلاده هذا من جهة ومن جهة أخرى تأمين حياة المواطنين الأوكرانيين الناطقين بالروسية والذين يتعرضون في إقليم الدونباس على الأخص، منذ 2014، إلى التجويع والتقتيل بالآلاف على مرآى ومسمع من العالم الذي يصف نفسه بالحر.
بوتين أبعد رؤساء العالم عن أن يكون أحمق أو مغامرا. هو أعلم المسؤولين الدوليين على الإطلاق بحقائق الوحشية الغربية المغلفة بالديمقراطية وبعباءة حقوق الإنسان. بوتين يعرف الغرب بدون وسائط فهو يحسن الإنكليزية والألمانية بامتياز. عاش في ألمانيا الشرقية مسؤولا عن المخابرات السوفييتية. وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي ساءه أن يسمع الرئيس أوباما ناعتا روسيا بأنها مجرد قوة إقليمية ومنذ ذلك الحين وبوتين يحاول أن يظهر بلاده بمظهر القوة العظمى الرافضة لأحادية القطبية. وهو يعلم جيدا بأن الغرب أقوى من الاتحاد الروسي في مجال الدعاية والكذب والتضليل وإسكات الصوت المخالف.
أوروبا قلعة الحريات وسيولة المعلومات وكذلك موقع “يوتيوب”، قررت وقف بث قناتي “آر تي” و”سبوتنيك” الروسيتين. عجيبة هي قدرة الشيطان على شيطنة الآخرين.
مسكين هو الشعب الأوكراني فلقد نكبته المخابرات الغربية بممثل هزلي من الدرجة الثانية رئيسا وأحاطته بقوى أقصى اليمين وبالعصابات النازية المافيوزية،
مسكين هو الشعب الأوكراني فلقد بدأ منذ بدء العملية العسكرية الروسية يحس بالفاقة والخوف فلا يتلقى سوى المزيد من الأسلحة الفتاكة التي تطيل أمد القتال لمزيد من الدمار والقتل والتشريد،
مسكين هو الشعب الأوكراني الذي يخرج من دياره بالآلاف ولن يعود إليها حتى بعد تحسن الأحوال فهنيئا لأوروبا بهذا التدفق الجديد للمهاجرين. وبكامل الرقاعة يقول اليمين نستقبلهم لأنهم منا وإلينا، شُقرٌ وزُرْقُ العيون ومسيحيون مثلنا.
ما كنت أتصور أن القارة العجوز، وخاصة فرنسا وألمانيا، ستخضع للإملاءات الأميركية بكل هذا الخنوع، مع أن خبراءها يعلمون أن العقوبات ضد بوتين سترتدّ عليهم بخسار مبين. يقول العارفون إن روسيا قادرة على تحمّل هذه العقوبات طوال سنتين أما أوروبا فلن تتحمل تداعياتها أكثر من شهرين.
ثم هل توجد رقاعة أكبر من أن ينصّب الأمريكان وأتباعهم أنفسهم مؤدّبي صبيان يعاقبون من يشاؤون ويقدمون الحلوى لمن يشاؤون؟
وصوتت تونس لفائدة قرار غير متوازن أقل ما يقال فيه إنه كلمة حق أريد بها باطل وأنه شرعنة للكيل بمكيالين. لا ألوم تونس على هذا الموقف كما لا ألوم أي بلد آخر يعيش أزمة داخلية سياسية واقتصادية خانقة ويأمل أن لا تزيد الولايات المتحدة في تعقيد مشاكله المستعصية هذا في أحسن الأحوال أما في أسوئها فإنه يخشى أن تسخطه بإنزال آلاف الدواعش على حدوده.
ومع ذلك كنت أتمنى أن تحتفظ تونس بصوتها على غرار الدول الخمس والثلاثين التي امتنعت عن التصويت ومنها الجزائر والعراق والسنغال وإفريقيا الجنوبية. بل إني كنت أتمنى أن تتغيّب تونس عن الحضور أسوة باثنتي عشرة دولة منها المملكة المغربية ولبنان.
أتفهم موقف تونس ولكن لا داعي لتحويل هذا التصويت الاضطراري إلى انتصار للعدالة الأممية وإلى دعم للقانون الدولي.
وفي النهاية، فنحن نعيش مرحلة تاريخية حاسمة : إذا انهزم بوتين فعلى الدنيا السلام أما إذا صمد فإن النظام العالمي سيتغير حتما وسيعود الأمل إلى الشعوب المقهورة وخاصة في فلسطين وفي العراق وفي سوريا وفي ليبيا وفي اليمن… وفي أمريكا اللاتينية.
وفي انتظار ساعة الحسم، يدعو النظام الأوكراني المتطوعين الأفارقة ومنهم التونسيون إلى المجيء حطبًا لأتون حرب تستعمل فيها أشد الأسلحة فتكا ويبدو أن الإسلامويين يتأهبون لتلبية النداء أملا في أن ترضى عنهم أمريكا من جديد.