بقلم الدكتور عميرة علية الصغير
تفطنت فرنسا أخيرا للخطر الإخواني الذي تغلغل في المجتمع الفرنسي نتيجة تساهلها مع الجمعيات الاسلاموية و التمويلات الهائلة التي تأتيها من دول الخليج واستيقظت على ما يمثله التغلغل هذا من خطر تقسيم مجتمعها و تهديد امنها و ضرب أحد أسس الجمهورية الفرنسية أي اللاّئكية التي كانت كرست نهائيا بقانون 1905.
وهاهي تتصدى للخطر الاخواني والارهابي بالمراقبة و حل عديد الجمعيات وغلق عديد الجوامع و تتبع الدعاة و المتشددين من الأئمة حتى ان مسألة “الخطر الإسلامي” أضحت الموضوع الأهم في التنافس الإنتخابي القائم.
لكن فرنسا بقدر ما هي حريصة على تحصين مجتمعها و تعزيز امنها من الخطر الإخواني و ثمرته الإرهاب الغازي و تمزيق نسيج مجتمعها فهي تكيل بمكيالين تجاه الإخوان عندما تطرح قضية العلمانية و الديمقراطية في بلداننا الإسلامية و منها تونس.
فهي ترى في الإخوان قوى ديمقراطية و من حقها و حتى من الواجب تشريكها في حكم مجتمعاتنا وتضغط بطرق عدة لبقائهم في المشهد السياسي رغم ليس فقط في فشلهم في تسيير تونس وهم في الحكم منذ اكثر من 10 سنوات بل رغم ما جرّوه على التونسيين من فقر وارهاب وفساد.
فهاهي فرنسا تتماهى مع الاخوان في اعتبار ما حدث منذ 25 جويلية (2021) انقلابا وتضغط على رئيس دولة مستقلة ان يتراجع في قرارات هي محل ترحيب من غالبية التونسيين و يكفي ان نتتبع تصريحات مسؤولي فرنسا و الاعلام الرسمي فيها وخاصة France 24 لنتأكد من هذا الإنحياز المخزي للحكومات الفرنسية المتعاقبة من اليمين و من اليسار وكأنّ بلد “حقوق الانسان” و”الثورة الفرنسية” ثابتة على عقيدة لها منذ اواخر القرن 19 “أن العلمانية لا تُصدّر” و أنّ نحن “شعوب الاندجان” لا نستحق دولة تفصل الديني عن السياسي و تقرّ المساواة بين مواطنيها وبين ذكورها و اناثها و تعيش حسب القيم الكونية التي اقرتها الانسانية المتقدمة.
لسنا غافلين على ان فرنسا وكل الدول الراسمالية ما يهمها الا مصالحها لذلك ترى فينا دائما – و للأسف-(نحن العرب) سوقا لترويج بضائعها و ساحة قتال دائم تصرف فيها اسلحتها و طائراتها ، فليحكمنا العائدون من القرون الوسطى و الفاسدون بانواعهم ، ليس مهما، المهم مصالح الكبار ومنها فرنسا. أملنا أن تستفيق النخب التقدمية في بلد تربطنا به علاقات تاريخية طويلة على أن امن بلادها و حتى دوام نموها مرتبط بالتعامل العادل و تكريس الإعتبار لشعب يتوق أن يحيى بعزة و كرامة في دولة مستقلة.