- الفن المروي : أصول تراثيَّة تحيك الهويّة الثقافيَّة
لطالما كانت المأثورات والأمثال الشعبية تثير اهتمام المجتمع التونسي ، قولا وفعلا ودراسة ، من خلال انتشار المراكز العلمية التي تهتم بتفاصيل التراث الشعبي , و الذي يشمل كل ما غزلته الألسن سابقا تحت عنوان التراث اللامادي.
تندرج الأمثال الشعبية ضمن معاجم فريدة تحيك حكما شفاهية منقولة من شريحة مجتمعية إلى أخرى، لكن الغريب في الأمر أنها مجهولة القائل والسائل، فلا يمكن تحديد مصدر المثل أو المقولة الشعبية لسرعة تداولها بين العموم في الحياة اليومية .
يشكل هذا التراث اللامادي المصدر الأساسي الذي يحدد ملامح الهوية الثقافية أو القومية لمجتمع ما ، من خلال ترجمة طقوسهم و مشاعرهم وآلامهم وأفراحهم و الذي يندرج في إطار مجموعة من الرموزٍ الصوتيّة، أو الكتابيّة التي تؤثث النشاط اللغويّ ككل.
يقوم هذا الموروث الذي جرفته بقايا الماضي على طرح خلاصة تجارب انسانية فريدة تدرس سلوك مجتمعات متعاقبة في فترات زمنية مختلفة، لنجد حضور هذه المفردات المركبة التي تذكرنا بمعجم أجدادنا مثل ” لسانك صوانك إذا صنتو صانك وإذا خنتو خانك ” أو “تمشي عباد وتجي عباد وما يبقى كان حجر الواد” وغيرها من الأمثال التي تحمل دروسا من الحياة.
ربما أثناء قراءة هذا المقال ، يدور في أذهنكم مثل قديم أو مقولات يرددها ذويكم منذ سنين ، تكون غالبا ممزوجة بطرفة أو بموقف معين ، انها ذكريات الطفولة التي تدفعنا إلى الماضي في كل مرة يتردد فيها معجم الخبرة والمعرفة والعطاء .
تكتسي أغلب المأثورات الشعبية التونسية طبعا فرجوي ، يتجلى في كثرة التناقضات بين المقاطع القولية أو التجسيدية ،التي تشتهر بحبكة المعاني والأفكار ، يتم طرحها في صياغة طريفة ومميزة للتعبير عن الأحداث و المواقف المهمة في حياة التونسيين باعتباره تراثا لغويا يجب تثمينه .
يحاكي التراث المروي تاريخ الأجداد في صياغة سهلة وسلسلة و الذي يترجم الذهنية الجماعية آنذاك ، من خلال تفسير عادت سُلوكيات البشر التي تتنوع بين ” ناس فضةْ .. وناس نحاسْ.. ناس ذهبْ وناس ألماس.. نَاس كيف التاج فوق الرأس وناسْ تحت الساقينْ تنداسْ ناس كيف الملائكة. وناس كيف الوسواسْ الخناسْ.. ناس تتباس وناس تستاهل الضرب بالمهراس”
شيماء الرياحي