-
حجم الثروات يتضخم عند البعض بعدد أكبر مما كان قبل 14 جانفي
-
رئيس دولة لا يعرف لناموس الدولة معنى ، ولا يفرق بين الفرنك والصوردي المنقوب والدينار والمليون…
-
رأينا كيفية التلاعب بالديمقراطية ، التي لم تعد تعني شيئا…
تونس –“الوسط نيوز” – كتب : عبد اللطيف الفراتي
مرت علي عدة أشهر ، لم أكتب فيها ، إلا ما أعده للنشر ، ليس حاضرا وربما بعد غيابي النهائي .
فلقد أصبت بإحباط شديد ، من وضع لم أر أسوأ منه خلال الثمانين من عمري…
كانت هناك أيام صعبة ، أيام أخذت فيها نصيبي من الفرح ، ومن الأمل الساطع ، وأيام يائسة من أوضاع سيئة ، شاركت في محاولات النضال بما أمكنني لتغييرها، ونلت من ذلك العنت الشديد ، كما مررت بساعات لقيت فيها الاعتراف وشملني التكريم من الذين أعتقد أن تكريمهم كان فيه شرف لي . وأيام أخرى كانت قاسية.
ولكن ما عشته خلال السنوات الأخيرة وبالذات الأشهر الأخيرة ، أصابني بيأس وإحباط ، ربما لأني بلغت سنا ليس لي أمل أن أرى بعدها بصيص أمل في هذا الظلام الدامس.
عندما قامت الثورة ، وعندما ساد الأمل بالديمقراطية الوافدة ، كان الشعور طاغيا ، بأننا نستشرف عهدا سيسوده الرخاء ، لأن كل تجاوزات الديكتاتورية ، التي أسهمت ولو بقسط ضئيل جدا في محاربتها ، ستنتهي وينتهي معها النهب وسوء السلوك وامتهان كرامة الشعب ، وسيسود العدل والمساواة ، وكل ما توفره حياة مدينة فاضلة ، كما وصفها الفلاسفة ، ولكن أخذ يخيب ظني بسرعة ، وأيقنت أن الوافدين الجدد مهما كان الأفق الذي أتوا منه لم ولن يختلفوا عن سابقيهم ، بل لعلهم أشد ضراوة وأوسع مساحة وعددا ممن كنا نتهمهم بالنهب ، لا فرق في المنشأ و لا في الدعاية التي زينوا بها خطابهم.
شاهدنا المستوى المعيشي للناس ، يتدهور ، بعد أن كانت انتظاراتنا تتوقع ارتفاعه ، رأينا غول البطالة يزحف بدل أن تتقلص ظلاله ، سمعنا ولا دليل بحجم الثروات يتضخم عند البعض بعدد أكبر مما كان قبل 14 جانفي ، ورأينا كيفية التلاعب بالديمقراطية ، التي لم تعد تعني شيئا ، لا معني ولا إرادة الشعب في الحسبان.
جاءت الحكومة الأولى فأنفقت 5 مليار دينار مما كان تم وضعه في صندوق للأجيال المقبلة ، وملئت في دفعة واحدة الوظيفة بعشرات الألوف إلى صفوف بطالة مقنعة في مصالح الإدارة العمومية. بما أخل اختلالا في التوازنات المالية للدولة ما زالت تعاني منه ومن غيره اليوم، وبعد عشر سنوات، غابت الكفاءات وحضرت المحسوبية.
انتهى العهد ليأتي عهد آخر اتسم بشيخوخة غير طبيعية لرئاسة في بلد يحتاج لديناميكية الشباب ، زادها اختيار رؤساء حكومات على المقاس ، المطلوب منهم بالأساس الطاعة العمياء لصاحب الأمر سواء كان السبسي أو الغنوشي ، والمهم البقاء في المنصب بلا مردود ، ولا استشرف في بلد يغرق يغرق، وبدا وكأن العهود السابقة كانت أحرص على تنمية البلاد من عهد الثورة بكل الآمال المعلقة عليها.
**
لعل راشد الغنوشي اليوم يشعر بأكبر الندم إن كان ما زال يشعر لهذا الوطن ببعض محبة ووطنية ، يشعر بأكبر الندم في قرارة نفسه يوم فكر في الترشح للنيابة في البرلمان،ثم يوم فكر في الترشح لرئاسة البرلمان ، معتمدا على أصوات من كان يعتبرهم الشيطان الرجيم وحزبه نبيل القروي ،
لن يدخل المرء في قرارة نفس راشد الغنوشي ولكن
- هل كان يفكر في موقع قدم في المسؤولية، إن لم يستطع أن يخافظ على مركزه على رأس النهضة
- أم إنه كان يطمح أن يصبح رئيسا للجمهورية ولو لتسعين يوما لو أصاب الرئيس القائم سوء ، فيدخل التاريخ مثل بورقيبة وبن علي والمبزع والمرزوقي والباجي قائد السبسي ومحمد الناصر وقيس سعيد.
- أم هو فقط رغبة في تولي مسؤولية في دواليب الدولة….!!؟؟
المهم أنه بهذا الترشح وضع أصبعه في غار أفعى ، فقد تم النيل منه بما لم يسبق له أن شهده طيلة حياه الطويلة وحتى عندما كان سجينا ، فتم النيل من قدره ومن مقامه.
وأصاب ثاني موقع في الدولة عن طريقه ، ما لم يتعرض له أخد من قبل ، إضافة إلى أنه لم يعرف كيف يتصرف ، فالبرلمان ليس حزبا يسيطر عليه ، وبالتالي فهو الآمر الناهي في الحزب ، البرلمان شيء آخر يتطلب تكتيكا ليس متعودا عليه ، خصوصا في ظل معارضة قوية لزعيمة الدستوري الحر التي أرته من التنكيل أشكالا و ألوانا ، ومع “تساقط، شعبية حزبه المتواصلة ،زاد الأمر حدة بالنسبة له ، فيما أخذت نجوميتها رغم انتسابها في مزيد اللمعان وفي الصعود، وفقا لعمليات سبر الآراء الوطنية والأجنبية.
هل كل هذا يبعث على أمل ، خاصة بالنسبة لمن في سني ، لا ينتظر للمستقبل القريب ما يدعو للإطمئنان ، مع رئيس دولة يخبط خبط عشواء ، لا يعرف لناموس الدولة معنى ، ولا يفرق بين الفرنك والصوردي المنقوب والدينار والمليون و المليار على سبيل المثال. ويحاول تجاوز دستور ، سيء بلا شك ولكنه يبقى “نبراسا “ولو مظلما للسلوك يمكن تأويله ولو تأويلا خائئا وبكن لا يمكن بحال تجاوزه أو إلغاؤه خارج مقتضياته ، رغم زقاقها الشديد الضيق.