تونس –“الوسط نيوز” – كتب : عبد اللطيف الفراتي
-
انحدار الدخل الفردي بحوالي 30 في المائة… إلا بالنسبة لأزلام النظام الجديد
خص الصحفي الكبير ورئيس التحرير السابق لدار الصباح الأستاذ عبد اللطيف الفراتي موقعنا “الوسط نيوز” بسلسلة من المقالات التحليلية القيمة (7 حلقات) تتعرض إلى العشرية التي تلت 14 جانفي. ونشر اليوم الحلقة الأولى التي تعرض بأرقام إلى تدوهر الوضع الاقتصادي وانحدار المقدرة الشرائية للمواطن بنسبة لا تقل عن 30%.
لم أكن لأتفاجأ عندما صدمت برقم رسمي : لقد انخفض الناتج الداخلي الخام بالأسعار الثابتة من 45 مليار دولار سنة 2010 إلى 38 مليار دولار سنة 2020 ، ما يعني مع التزايد السكاني انحدار الدخل الفردي بحوالي 30 في المائة ، وهو ما يلاحظ بالعين المجردة في تدهور المقدرة الشرائية العامة ، إلا بالنسبة لأزلام النظام الجديد الذي حل ككارثة على الفرد التونسي ، وخاصة على الطبقات الشعبية ، فتراكمت ثروات للحفاة العراة ـ وليس في ذلك تقليلا من شأن أحد ـ ظاهرة وخفية داخليا وخارجيا في وقت تعاظمت فيه المديونية من حوالي 40 في المائة من الناتج إلى ما يقارب 100 في المائة ، دون قدرة على السداد ، باعتبار أن تلك المديونية ، لم تذهب كما كان يحصل قبل 2010 إلى الاستثمار وزيادة الثروة وتحقيق التشغيل ، بل إلى النفقات النثرية أي لأجور غير مبررة ، سواء إلى الناتج أو إلى ميزانية الدولة أرقاما خيالية ، لعل تونس سباقة فيها.
وما زالت المطلبية قائمة على قدم وساق، فيما إن انخرام أوضاع المؤسسات العمومية ،ما زال متفاقما ، وفيما كانت تساهم بأرباحها إن كان لها أرباح في الموازنة العامة ، باتت تثقل بعبئها تلك الميزانية ، التي أصبحت في حال من الهشاشة بحيث باتت الدولة على حافة الإفلاس ، وزاد دعم غير عقلاني وغير عادل في الوضع سوء.
إن بعضا من التونسيين ، يعيدون أسباب هذه النتائج إلى الديمقراطية ، والحريات المنفلتة ، بحيث لا تستقيم الكرامة الوطنية .
وإذا نظرنا بعمق إلى حقيقة الأشياء ، فإننا نلاحظ أنه كلما سادت الديمقراطية والحريات في بلدان العالم إلا وكانت الكرامة الوطنية مرادفا لها .
فلماذا جاءت الديمقراطية عندنا ، ولم تحقق الرفاه ، بل بالعكس حدث التراجع و ازداد الفقر و الفوارق المجتمعية بين الأفراد والجهات ؟
سؤال ينبغي أن نطرحه على أنفسنا ، وكانت تمظهراته لا تلاحظ فقط في شكوى الناس من غلاء المعيشة بشكل حاد ، بل في الاقتصاد الكلي وأرقامه المفجعة ،
في البلدان الأخرى جاءت الديمقراطية بعد ثورات عنيفة أو سلسة ، ولكنها أفرزت نخب قادرة على الحكم ، وفي تونس قامت ثورة إن قبلنا أن نسميها ثورة حيث لم يسبقها فكر ولا قيادة ولا برامج واضحة ،ولكن دعنا نسميها ثورة ، باعتبارها مكنت من التخلص من حكم مستبد شاركت نخب كبيرة في التحضير لها وتلقفتها حشود شعبية واسعة انطلقت بها من سيدي بوزيد والقصرين مرورا بصفاقس بأكبر مظاهرة في تاريخها ولعل أيضا في تاريخ البلاد ، انتهاء بالعاصمة تونس يوم 14 جانفي الذي سيخلده التاريخ ، كنقطة تحول بعد هروب رئيس الدولة آنذاك ، فسجل انتصارا للشعب ، وأصاب بالذهول وسوء المفاجأة القائمين على نظام لم يكن أحد يعتقد أنه سيهوى بتلك السهولة كقصر من ورق.
في سنة 1984 وبعد ثورة الخبز ، التقيت بالسيد محمد مزالي بمناسبة حديث صحفي لصحيفة خارجية ، فافتخر أمامي بزياراته الأسبوعية لضواحي العاصمة ، وقلت له بدون مواربة : ” كنتم تجمعون المواطنين بالحافلات ، ، ولكن عندما جد الجد لم تجدوا في صفوفكم ، من يقف في شعبكم الدستورية ليدافع عن مقراكم حتى بالمكانس ، فاغتصبت وسرقت منها الوثائق إن لم يحرق بعضها” . تلك حال الأحزاب الحاكمة في البلدان المتخلفة، وسيتكرر دلك مرات عديدة في تونس وفي غيرها من الديكتاتوريات وإن غلفت نفسها بمظاهر الديمقراطية فيما سنتحدث عنه في وقته.
(يتبع)