- الضغط الشعبي قادر على فرض التدقيق الشامل للمالية العمومية
- أطالب السياسيين بتأجيل التمتع بغنائم السلطة
- إيماني راسخ بقدرتنا على التحول الى بلد نامي اقتصاديا و سياسيا
- “نمنامة” تغيير منوال التنمية فارغة و لا معنى لها
- أؤمن بتونس متعافية تمشي على ساقيها و غير عرجاء
اجماع أننا في تونس مع سابقة الثماني العجاف الثائرة بحالة عود على بدا لاننا عدنا الى المربع الاول الى تونس الشهيدة لكنها هذه المرة ليست شهيدة الاحتلال العسكري بل هي شهيدة البلطجية و المجرمين و الارهابيين و المؤسسات المالية و اجراء السوء من حكومات “الغلبة” كل ما يفعلونه انهم لا يفعلون شيئا و يجبرون الشعب التونسي ان يمارس طقوس الحريات المزعومة و هو جائع بدون افاق و دون كرامة اقتصادية.
و رغم عمق متاهات المجهول المعقدة فالأمل لازال قائما بقوة لدى اقلية نادرة و قد يكون رجل الاقتصاد “السيد كمال النابلي” واحدا منهم.
“الوسط نيوز” كان لها لقاءا معه اثر صدور كتابه الاخير “هذا ما أؤمن به” تناولنا خلاله رؤيته للازمة الاقتصادية التونسية و العديد من الملفات الحارقة.
و قد أكد أن “الحلمة” متواصلة لديه و لن يتعذر رؤيتها ليس لانه مؤمن بالقوانين الخارقة و بنار تصبح بردا و سلاما على الشعب التونسي بل لأنه متيقن انه بتضحيات و بوطنية و بخيارات اقتصادية ناجعة ستقف تونس بوجهيها السياسي و الاقتصادي معتبرا و أن الارتهان للخارج سببه التفاوض الفاشل مع المؤسسات المالية دون تقديم برامج و حلول مقنعة.
و هذا نقل للحوار الذي أجرته “الوسط نيوز” ꞉
عنوان كتابك “هذا ما اؤمن به” طرحت ضمنه ما اسميته “بالسيناريو المعجزة” بمعنى الديمقراطية و الكرامة الاقتصادية ما كل هذا الأمل ؟
أنا أؤمن بتونس غير عرجاء تونس التي تقف و تمشي على ساقيها قادرة و متعافية و ايماني ليس ايمان العجائز الذين ينتظرون سفينة نوح لتنقذنا من الطوفان أو مائدة تنزل من السماء.
أنا أؤمن بالسيناريو الذي يرونه معجزة وأراه ممكنا سيناريو جامعا مانعا أي يجمع السياسي بالاقتصادي حيث يعيش التونسي حرا و لكن بكرامة أي يشتغل و ينتج “ce n’est pas l’espoir béat”.
ما حدث أن تونس منحها التاريخ فرصة لا تتكرر كل يوم و هي ثورة 2011 التي فتحت بابا ظل مغلقا لسنوات استطاع على اثرها التونسي ان يعانق حرياته برمتها الاشكال الذي وقع انه امسكنا بالحريات و اهملنا الاقتصاد فلم نعد نستشعر قيمة الحريات الى حد ان بعض الأصوات اليوم مجدت حقبة الديكتاتورية.
ما أؤكد عليه و دون مبالغة و ليس من باب الافراط في الامل ان “الحلمة” يمكن ان تصبح يقينا و لأن الثقة ليس في العصا السحرية بقدر ما هي في ارجاع قيمة العمل الى نصابها و تشخيص الوضع و الأسباب لتحديد العلاج الصحيح و الناجع و هو ما اجتهدت في تقديمه في هذا الكتاب.
ما اردت كذلك لفت الانتباه اليه هو الجزء المملوء من الكأس بمعنى ان ننظر لانجازات الثورة من مؤسسات و لجنة مكافحة الفساد و حرية الاعلام و حق النفاذ للمعلومة و عديد الأشياء الأخرى حتى لا تضيع وسط زحام ضغوطات الواقع التونسي في المقابل بقراءة عملية و وطنية قادرين ان نملا الجزء الفارغ من الكاس “pour que la tunisie puisse marcher sur ses deux jambes et ne boite plus” و يصبح لدينا بلد نامي سياسيا و اقتصاديا.
أشرت في كتابك الى التضحية كشرط لتحقيق ثنائي الازدهار سياسي اقتصادي و الحال أن التونسي لم يعد لديه ما يضحي به ؟
للتضحيات عدة جوانب إيجابية و هي ستدر مكاسب و ان لم تكن حينية, لكن وجه الغرابة انه لا احد مستعد للتضحية وسط هتافات و شعارات حب الوطن و الوطنية.
أولا يجب ان نكون و أعين بان هناك مشكل تحول الى ازمة حقيقية خلال السنوات الثماني التي عقبت الثورة و قطاعات منكوبة بالجملة من المفروض اننا لا يمكن ان نواصل التعايش مع الأزمة بمبدأ الاقتصار على التوصيف دون الفعل.
و أول حل هو ارجاع قيمة العمل كمصدر من مصادر الثورة و ارجاء الانتظارات المادية.
اليوم سقف المطلوبية ارتفع الى حد غير مقبول و فاحش في مقابل اما لا عمل او عمل دون المطلوب. هذا فضلا عن التهرب الضريبي المثير للاستغراب فنقص موارد الدولة لن يزيد الا في تعميق ازمتها.
السياسيون في هذا الوضع الحساس اقتصاديا و اجتماعيا مطالبين بالتحلي ببذرة وطنية و تاأجيل مطالب التعويضات و التمتع بغنائم السلطة أو التنازل عنها انأمكن.
ما يثير الاستغراب على الأقل الى حد الان ان الجميع يدعي حب تونس و الذود عنها و الاستعداد للتضحية بالغالي و النفيس من اجلها لكن عند التنفيذ يكونون خارج الخدمة ناهيك و ان خطب طويلة عريضة في محاربة الإرهاب و هو امر مكلف لكن لا احد تنازل عن امتيازاته لفائدة ذلك و هي المفارقة التي نقف عندها في كل معضلة من معضلات الثماني سنوات.
لكننا أمام حكومات أجمعت انها تسلك سياسة التقشف ؟
لا اثر لهذا التقشف و الدليل ان هناك زيادة في مصاريف الدولة و بالتالي بعيدا عن كل التجاذبات و الشحن التقشف لا يوجد الا في خطاباتهم اما واقعيا فلا.
طالبت باجراء تدقيق شامل للمالية العمومية كشرط للشفافية هل تحقق ذلك ؟
نعم طالبتها مرارا و مع ذلك لا يستجيبون, كان من المنطقي ان يكون هذا الطلب صادرا عن الحكومة او عن ممثلي الشعب داخل قبة البرلمان لكن “اسمعت لو ناديت حيا و لكن لا حياة لمن تنادي”. ربما يصبح هذا الطلب “الأمنية” ممكنا بضغط شعبي قوي.
في نطاق الشفافية هل دافع البنك المركزي كرمز من رموز السيادة التونسية و حماها من تدفق المال المشبوه ؟
أولا البنك المركزي ليست لديه صفة مأمور الضابطة العدلية لتسهيل تحركه في هذا المجال هو حلقة من الحلقات الرقابية الموجودة الى جانب النيابة العمومية و وزارة المالية و دائرة المحاسبات و على كل اذا توصل البنك المركزي بمعلومات عن تدفق أموال او تحويلات مشبوهة يوقفها لمدة قصيرة ثلاث أيام تقريبا و يعلم النيابة العمومية التي تتمتع بكل السلطات للتصرف.
مجموعة من النقاط السوداء تؤكد ان تونس لا تمتلك قرارها بفضل حكومات ما بعد الثورة و هي مرهونة لدى صندوق النقد الدولي ؟
أريد أن اشير أولا أن “الاليكا” موضوع الجدل ومربط الاتهام بعيدة عن التجاذبات و الشحن الشعبوي هي أساسا مشروع اتفاق لتطوير و تعميق العلاقات الموجودة منذ 1973 وصولا إلى اتفاقية الشراكة المبرمة سنة 1995 المتعلق برفع الحواجز الجمركية على توريد و تصدير المنتجات الصناعية الذي استُثنى قطاعيْ الخدمات و الفلاحة.
هذا المشروع “الاليكا” سيشمل قطاعين جديدين إلى حد الآن خارج مجال التبادل الحر و هما الفلاحة و الخدمات بمختلف تفرعاتها و عمليا الاتفاقيات مازالت في طور النقاش خلافا لما يروج له.
و في اعتقادي أنّ توقيع هذه الاتفاقية سيكون في صالح عدد من القطاعات على شرط أن نحسن التفاوض مع تقييم حصيلة الاتفاقيات السابقة مع الاتحاد الأوروبي إلى جانب إعداد دراسة شاملة للانعكاسات الاقتصادية و الاجتماعية الممكنة.
أما فيما يتعلق بالارتهان للخارج و ما تبع ذلك من فقدان للسيادة الوطنية هذا في تقديري الشخصي مرتبط أساسا بالبرنامج و الرؤية الاقتصادية و السياسية فاذا كانت واضحة و غير ضبابية و تقوم على إستراتيجية واضحة و لا تقوم على حلول ترقيعية فانه ليس هناك ما يخيف في التعامل مع هذه المؤسسات الدولية.
واحقاقا للحق المشكل لا يكمن في هذه المؤسسات بل في سياسة الدولة و توجهاتها فاذا كان الاقتراض مثلا لخلاص الأجور دون رؤية مستقبلية للافاق القادمة و كيفية تلافي أسباب العجز فمن الطبيعي حينها أن تضع هذه المؤسسات المالية شروطا او توصيات تتعلق أساسا باتخاذ إجراءات قوية لمعالجة الوضع كزيادة الضرائب و كبح زيادات الأجور في الوظائف العمومية و غيرها.
مع العلم أن هذه الشروط لم تطبق أغلبها الحكومات التونسية.
هل يمكن اعتبار أن تونس منذ سقوط النظام في 2011 فوتت على نفسها فرصة مراجعة المسيرة التنموية التي اعتمدتها على مدار أكثر من عقدين ؟
بداية المطالبة بتغيير منوال التنمية “نمنامة” فارغة لا معنى لها تستحضر كالارواح الشريرة عند مناقشة الازمة الاقتصادية. البعض يعتقد أنه تغيير بسيط كتغيير البدلة و الحال ان الواقع عكس ذلك لانه يستدعي خيارات يقوم بها المجتمع في كل المجالات هذا لم يقع و لا يمكن تحقيقه عام 2011 و لو مع وقوع الثورة. و الى يومنا هذا لا يوجد تصورا كاملا او استراتجية و خيارات من أي طرف أو أي حزب.
أريد أن أبين أن لدينا مشاكل طويلة المدى ومشاكل قصيرة المدى في 2011 نحن لم نهتم بأي نوع منها. كان الاهتمام منصبا على أشياء أخرى فلا يخفى على احد ان لدينا مشاكل اقتصادية مع القطاعات المنكوبة مثل الفسفاط و الطاقة و السياحة و هي مشاكل منطقيا ظرفية وليدة عدم الاستقرار الأمني و الإرهاب. و لدينا مشاكل هيكلية كبرى وقع خلطها بالمشاكل الظرفية على سبيل المثال أزمة البطالة تم التعامل معها بحلول ترقيعية بتعيينات تتجاوز طاقة استيعاب الادارات مما خلق أزمة اقتصادية.
و لللامانة فالأزمة المالية اليوم متاتية من سياسة المالية العمومية و الخسائر الناجمة عن القطاعات المنكوبة بعبارة أخرى الخطأ وقع في التشخيص و هو ما يؤدي حتما إلى حلول غير ناجعة و خاطئة بالأساس.
مؤخرا الدولة اقترضت من البنوك التونسية مبلغ 356 مليون اورو لتمويل الميزانية هل يندرج ذلك في نطاق سياسة الحوكمة الرشيدة ؟
هذه العملية وقعت منذ سنتين حيث تولت البنوك منح الدولة قرض ب 250 مليون اورو و هو إجراء معمول به و ليس غريبا أن تقترض الدولة من البنوك و عادة الدولة عندما تقرر الاقتراض فهي مخيرة اما ان تقترض من الأسواق الداخلية بالدينار او من الخارج لدى المؤسسات المالية الأجنبية بالاورو.
الجديد ان الدولة التونسية تقترض في السوق الداخلية بالاورو و عادة لابد أن تقع استشارات لدى مختلف البنوك للحصول على اقل نسبة فائض ممكنة و معقولة.
الاتفاق الذي وقع مؤخرا مع البنوك لا نعلم ان كان قد سبقته استشارات أم لا ؟ لكن هذا ليس في حذ ذاته اشكالا لان الاهم في هذه الوضعية أن البنوك بعد أن مولت الدولة بالعملة الأجنبية لم يعد لديها عملة لتمويل المؤسسات الاقتصادية و النتيجة أن امكانيات البنوك في العملة الصعبة تنقص في حين كان من الاجدى للدولة أن تلتجئ إلى المؤسسات المالية بالخارج و تقترض عادة بظروف ميسرة و احسن من البنوك المحلية حتى لايكون ذلك على حساب المؤسسات الاقتصادية.
طرحت في كتابك مجموعة من البدائل هل كانت بناءا على مشاورات مع أصحاب القرار في السلطة ؟
أنا لم أتوجه إلى أي كان, الكتاب و الحلول موجهة إلى الجميع لأننا كلنا معنيون فمن العبث تحميل طرف بعينه مسؤولية الازمة.
هو موجه الى المجتمع التونسي بكل وجوهه حكاما و محكومين و المنظمات المهنية و منظمات المجتمع المدني فالكل مطالب بالوعي بخطورة المرحلة و بضرورة المساهمة من موقعه في الخروج من الأزمة.
هل ائتلاف “قادرون” ارجعك لممارسة السياسة ؟
أنا لست منخرطا في ائتلاف “قادرون” رغم كل ما اشيع من انتسابي له بدليل عدم حضوري ندوته الصحفية غير أنني في تواصل مع عديد المبادرات بهدف تجميع أكثر ما يمكن من مبادرات لإنقاذ تونس على الصعيد الاقتصادي و السياسي.
حاورتاه أسماء و هاجر