- كل الجيوب تطرق إليها النقص. .الا تجار الدين… و الارهابيين… و المهربين…
- البكالوريا ورقة متضخمة… و ستكون أشبه بصك بدون رصيد…
“الوسط نيوز” – كتب : عبد العزيز قاسم
المشهد السياسي في تونس محزن مخز وفي غنى عن التحليل والتعليل.
السعودية اتخذت مؤخرا قرارا جريئا يقضي بعدم الالتزام بأحاديث الآحاد، وهي بالآلاف تؤسس للسلفية الظلماء وتبهّم الفكر الإسلامي منذ تمكين ما يسمى بصحيح البخاري، ورغم ذلك تزدهر السلفية عندنا وتتفرع.
السلفية اليوم سلفيات تتموقع. بعضها يلملم أسمال أصله التجاري لمزيد الاستثمار في الجهالة وبعضها لا همّ له في هذا الظرف الذي بلغ ذروة التأزم إلا بسط نفوذه على حاملي السلاح وكأنه لا يعلم أن الأمن مخترق. والأمن عندنا لا ينقصه الذكاء فهو يدرك مواطن القوة الحقيقية في مراكز النفوذ التي قررت الدخول جهرا في معارك عبثية ستأتي على ما تبقى من سلطة الدولة. حتى الحكومة وعلى رأسها إداري ابتدعتْ لنفسها سلفية إضافية شعارها غزوة بدر التي لا تساوي شيئا يذكر في المفهوم العسكري. كل قرارات الحكومة خاطئة حتى وهي على صواب. وإلا بماذا نفسر استهتار الجماهير بإجراءات الحجر؟
نحن نتحرك في فضاء اختلط فيه الخابط بالناطح والشعب بعير سائب سيعيد انتخاب رعاته المهملين في أية جولة تشريعية قادمة وفيهم يصح قول الشاعر:
أيُلامُ الذئبُ في عُدْوانِهِ إنْ يكُ الراعي عَدُوَّ الغنمِ
وستهلل الثورجية من جديد لديمقراطية قوامها الحقيقي القفة القطرية والعلف الإخواني والتلاعب بالأصوات. وسيبحث الأوباش من يمين عفن ويسار انتهازي في ائتلاف إجرامي عن كل وسيلة قذرة من شأنها إسكات عبير موسي، بتهمة الانتساب إلى نظام بائد هو في الحصيلة أقل منهم فسادا بكامل معاني الكلمة.
نحن نعيش في مجتمع يزداد الفقير فيه فقرا وتتناقص فيه ثروات الموسرين. كل الجيوب تطرق إليها النقص إلا جيوب تجار الدين وما يتفرع عنهم من إرهابيين ومهربين. بعض المتشائمين يتوقعون، إن دامت هذه الأحوال، أن تزحف جحافل المتسولين المتزايدين على أحياء الطبقة المتوسطة غير المحمية.
نحن نعيش في مجتمع انعكست فيه القيم، كل السلالم مقلوبة، والثقافة تزداد خواء وتهميشا، والتعليم تجتاحه حالة جهل وبائية لا لقاح لها. لقد دعوت أكثر من مرة إلى حجر تربوي يتمثل في جعل 2021 سنة بيضاء. إن الباكلوريا في السنوات العادية ورقة مالية متضخمة، دينار لا يساوي أكثر من مئة مليم. أما هذا العام، والدروس في شبه انقطاع، فإنها ستكون أشبه بصك بدون رصيد. وهل نغش بذلك غير أنفسنا؟ وإني لأرثي مسبقا لحال جامعاتنا التي ستستقبل رغم أنفها حملة باكلوريا “إكسترا لايت”. وفي هذا المجال أيضا أود أن أكرر ما سبق أن دعوت إليه من زمان، أعني إحداث سنوات تحضيرية ترمم أنقاص تلاميذنا الفادحة.
نحن نعيش في مجتمع آيل إلى العنف والبذاءة وسيلة تعبير واتصال. استمعوا إلى نوابنا وساستنا وهم يتكلمون اللغات… ستضحكون في البداية ولكن سرعان ما ستدركون أن اللغات، بما فيها اللغة الأم، أيضا ثروة تتآكل وتتضاءل. وتجولوا في أروقة الفيس بوك حيث أصبح الجميع أحفادا للجاحظ وموليير. لم نعد نستحي.
نحن نعيش في مجتمع جاحد نُخَبُهُ فصائل آيلة إلى الانقراض. لقد توفي مؤخرا البشير بن يحمد. وهو، مهما اختلفت آراؤنا في اختياراته السياسية، صحافي دولي من طبقة محمد حسنين هيكل، وله قلم من أبدع الأقلام، قابل وحاور كبار قادة العالم. وهو، آخر الأمر، إحدى مفاخر تونس. متى يا ترى يصل خبر وفاته إلى محيط “حمامات أنطونان” ؟