-
لهفت حكومة الجبالي 5 مليار دينار من زمن بن علي …. احتفظت بها الدولة للأجيال القادمة…!!!
-
سينحدر الدينار التونسي ليصبح عملة قردة… تقفز نسب التضخم… ترتفع الأسعار… تنخفض الأجور… يكثر الفقر و الجوع وتفلس المؤسسات…!!!!
-
نتجه بسرعة جنونية إلى المثال اليوناني… بدون سند أوروبي…!!!
تونس –“الوسط نيوز” – كتب : عبد اللطيف الفراتي
منذ سنة 2013 نبهنا إلى الأزمة الاقتصادية ، وإلى ضرورة أخذ الثور من قرونه ، حتى لا يهلك الزرع والضرع ، وما من مجيب.
كانت تونس ” بفضل ” النهضة ، قد فوتت على البلاد فرصة الإصلاحات العميقة التي يفرضها الوضع بعد سنة 2011 ، التي سجلت فيها البلاد لأول مرة في تاريخها منذ الاستقلال ، نسبة نمو سلبــــية بحوالي 2 في المائة ، ألحقتها في 2020 بنسبة ليس تاريخية فقط ، بل قياسية بين الدول التي تحترم نفسها بـ ناقص 8.8 في المائة .
وكنت قلت للسيد حمادي الجبالي في بيت المرحوم مصطفى الفيلالي بمحضره وبمحضر كل من السادة الطاهر بوسمة والمنجي الكعبي والدكتور حمودة بن سلامة وزياد الدولاتلي القيادي أيامها في النهضة ، قلت له وكان ذلك في جوان 2011 ” كل المؤشرات واستطلاعات الرأي تشير ، إلى أن النهضة ستفوز لا بالأغلبية في المجلس التأسيسي ، ولكن ستكون الحزب الأول ، وبتقدم كبير على بقية الأحزاب، فنصيحتي ، أن لا تستلموا الحكم ، لأنكم لستم مؤهلين له ، لا من حيث الخبرة ، ولا من حيث القدرة على مواجهة الأزمة وما تفترضه من تضحيات “.
كنت أعتبر حمادي الجبالي صديقا ، وكنا نلتقي دوريا للغداء في مطعم ملحق ” بالميزون دوري ” في بعض الأحيان ، كان ذلك أيام الجمر أيام لم يكن الكثيرون ، حتى يسلمون على من لهم شبهة إسلاميين .
من هذا الموقع صارحت من كان مرشح النهضة ليكون رئيس حكومتها.
أجابني يومها : ” لا نستطيع ، قواعدنا لن تغفر لنا ذلك”.
استبشرت خيرا ، عندما تم اللجوء إلى حسين الديماسي كوزير للمالية ، في حكومة الجبالي سنة 2012 ، فالرجل على قدرة كبيرة ، على فهم الواقع ، فقد كنت أجلس معه وآخرين ، لما كان منصور معلى يشرف على المعهد العربي لرؤساء المؤسسات، وكان خلال تلك الجلسات يجري التحضير للمحاضرات التي ستتلى ، دائما في إطار قضية مركزية من قضايا الوطن ، وقد أعجبت به حتى قبل ذلك عندما كان مستشارا للاتحاد العام التونسي للشغل زمن الجبيب عاشور، وكانت له على يساريته نظرة ثاقبة في دور النقابة ، في بلد يخطو خطواته الأولى في مجال النمو والتنمية، ولكن حسين الديماسي الذي يتميز بطبع ناري ، لم يكن ليتأقلم مع قوم ، أولا لا يفقهون شيئا في الاقتصاد ، وثانيا لا يريدون أن ينصتوا ، وكانوا على عجل لقطف ثمرة انتصارهم ، خوفا من أن تفوتهم الفرصة ، فملِئوا الإدارة ومؤسسات الدولة ، بالموظفين الذين ظَلموا ( بضم الظاء ) حقا على مدى سنوات ، بدون عمل فعلي ، ووزعوا على اليمين والشمال ما أسموه بجبر الضرر ، في وقنت كانت فيه مالية الدولة تشكو بعد سنة 2011 السلبية النتائج من صعوبات جمة ، ، واضطروا للهف 5 مليار دينار من زمن بن علي ..وفي نفس الوقت كانت محتفظة بها الدولة للأجيال اللاحقة .
ولقد شاهدت بنفسي أعدادا من هؤلاء ” الموظفين ” جالسين في معابر الإدارات بدون عمل ، وقد تم ربطهم برتب لا تناسب كفاءاتهم إلا من حيث قيمة تأجيرهم ، ونالوا كإصلاح لأوضاعهم الإدارية المرتبات التي لم ينالوها ، طيلة فترات تعطلهم بفعل الدولة ، ما يتناقض مع القاعدة القائلة ، بأن الأجر يبذل عن العمل الواقع تأديته ، وإن كانت الموضوعية تقتضي القول إن تعطلهم لم يكن من مسؤوليتهم أو باختيار منهم ، ولكنه كان خارجا عن نطاقهم ، وأن أعدادا منهم كانوا يعملون في القطاع الخاص بأجر مجز.
غير أن الأدهى والأمر هو أن حكومة الجبالي والعريض ، الوحيدتان اللتان كان بإمكانهما الإقدام على إصلاحات حقيقية ، مرة وموجعة ، يقبل بها المواطنون باعتبار فترة التسامح التي تتولاها ، الأنظمة الجديدة ، ملقية أسبابها على ” النظام البائد” غير أن حكومتي الجبالي والعريض كانتا في أشد السخاء ، ولكن الدواعي الانتخابية ، والخوف من أن يؤدي ذلك إلى السقوط في الانتخابات الموالية ، جعل منهما يقدمان على قرارات شعبوية فيفوتان على البلاد الإصلاحات الهيكلية الواجبة ، وسارت بقية الحكومات المتتابعة على نفس المنوال ، بعد نهاية فترة السماح l’état de grâce ويمكن القول اليوم أن الحكومات المتعاقبة ، التي تتسم بقــــاسم أعظم مشترك ، هو وجود النهضة في صفوفها ، لم تكن على الأقل في رئاساتها وأحيانا حتى في وزرائها ، متسمة بالكفاءة الفعلية ، فمن بين كل رؤساء الحكومات مع ما يتوجب علينا من احترام مــــقاماتهم ، لم يكــــــن من بينهم ، واحدا يتمتع بدفتر أسماء معارف بصورة شخصية ، أو كنش هواتف المؤثرين في العالم ، مثلما يتوفر لقامة مصطفى كمال النابلي أو محمد الغنوشي ، أو حكيم بن حمودة ، أو فاضل عبد الكافي أو منذر القرقوري أو أحمد عبد الكافي ، أو توفيق بكار أو منصور معلى ، وغيرهم كثيرون ، ممن لهم تجربة إما في المؤسسات المالية الدولية ، أو بين قيادات الدول والمجموعات المقرضة ، وممن تمرسوا في العمل فيها ، أو رافقوا أصحاب القرار فيها، تلك الكفاءات التي لها تصورات إستشرافية ، كفيلة بتصور المشروعات المهيكلة ، على غرار ما حصل في مصر حيث أنجزت ( بضم الألف) مشروعات ضخمة ، غيرت مجرى الحياة الاقتصادية والاجتماعية ، رغم التحفظ على الطبيعة الديكتاتورية في البلاد المصرية ، وقد تم إسناد رئاسات الحكومات المتعاقبة ، لأشخاص كانوا تابعين لقيادة أحزابهم بلا مساحة معرفة بالدواليب ، ولا بمعنى التصورات المستقبلية.
وكان من نتيجة ذلك أن غرقت البلاد شيئا فشيئا ، وبلغت تونس الدرك الأسفل ، وإن ربحت من الثورة ، سمها ما شئت انتفاضة أو غيرها من التسميات أمرا ن إثنان ، أحدهما هو حرية التنظم مع كثير من التجاوز ، و ثانيهما هو حرية التعبير التي وصلت حدا من الفوضى كبير ، ولكــــن يبقى الأمران إيجابيان ، أما الديمقراطية التي نتغنى بها صباحا مساء ، فإنها لا تعدو أن تكون تكالبا على الكراسي ، وامتيازاتها (أي الكراسي ) الظاهرة والخفية ، بحكومــــات قليلة الاستقرار ، بتسعة رؤساء حكومات وما لا يقل عن 400 وزير في 10 سنوات ، وهو الوضع الذي عاشته فرنسا بين 1945 و1958 ، تحت دستور الجمهورية الرابعة الأعرج ، والذي اتخذناه مثالا لدستور 2014 ، ولكن بتمويلات مشروع مارشال الأمريكي الضخـــمة التي ضخت في فرنسا ، والذي لم تتمتع تونس بمثيل له بعد ثورتها ، وبدستور 2014 الأعرج ، ومجلة انتخابية اختارت أسوأ أنظمة الاقتراع.
والنتيجة هو الوصول إلى إفلاس البلاد ، بسياسات خاطئة ، من يوم تم دفع وزير المالية الأسبق حسين الديماسي لليوم رفضا للإصلاحات التي جاء بها والتي يقتضيها وضع موروث وسيء من الأصل ، ويزداد سوء يوما بعد يوم ، مع إصرار على السير فيه من حكام تعتبر النهضة قلب الرحى فيه، انتهاء إلى ترقيم موديز السيء ، والذي ومعه لا شيء يمنع من نزول بلادنا إلى جهنم ، لو تم بعد أشهــــر إنزالنا إلى جـــيم بعد البـــاء 3 .
ماذا يعني ذلك للذين لم يفهموا الوضـــــع بعد ، وما زالت مطلبيتهم مرتفعة .
باختصار إننا ولو أخفى عنا حكمنا ذلك ، أننا نتجه وبسرعة جنونية إلى المثال اليوناني وليس وحده ، ولكن بدون سند أوروبي كما كانت أثينا ، يعني أننا سائرون كما نبه وزير المالية قبل أن يتراجع إلى تخفيض الأجور والجرايات بنسبة على الأقل بين 10 و20 في المائة ، يعني أن العملة التونسية التي كانت شامخة في 2010 ، ستنحدر بحيث تصبح عملة قردة ( بكسر القاف) كما يقول المثل الفرنسي ، ، ما يعني أن نسب التضخم سترتفع فيصيبنا غلاء فاحش ، على شاكلة ما يحدث في فنزويلا على سبيل المثال ، فتنخفض الأجور، ويكثر إفلاس المؤسسات ، وترتفع الأسعار بصورة جنونية ، بلا ضابط ويكثر الفقر والجوع ، وتستقر نسبة النمو عند رقمين سلبي ، بعد ناقص 8،8 هذا العام ، وتقول الحكومة لتهدئة الخواطر ، إن نسبة النمو هذا العام ستكون موجب 3.5 في المائة ، مما يعني أن بلادنا لن تكون في مستوى ما كانت عليه الثروة الوطنية سنة 2019 ، إلا بعد ثلاث أو أربع سنوات ، فيما تناقصت بالأسعار الحقيقة، لا بأسعار السوق 30 في المائة عما كانت عليه سنة 2010.
في هذا الوقت تبقى الخصومة السياسية على أشدها بين رئيس جمهورية عنيد ، ورئيس برلمان ليس أقل عنادا ، لا يستطيعان في مثل هذه الظروف لبلد ، غرق ويزداد غرقا ، شيئا ، في غياب حكومة حقيقية ، بقامات عالية لها قدرة على مواجهة وضع ، وضعتنا فيه حكومات فاشلة طيلة العشر سنوات الأخيرة ، حكومة جديدة تأخذ الثور من قرنيه ، وتتولى بوفاق كامل للإنقاذ ، تعديل الدستور ، وتغيير طريقة الاقتراع ، ومواجهة التحديات الاقتصادية الاجتماعية ، بقدرة على مجابهة الإسنحقاقات السياسية والإستحقاقات الاقتصادية والاجتماعية ، مع الحفاظ على مكسب الممارسة الديمقراطية ، بعد تخليصها من شوائبها .
الرهان مصيري ، فهل الساسة الكبار رئيس الجمهورية ، ورئيس البرلمان بالذات ، في مستوى المسؤولية التاريخية، أم إنهما في سباق لدفع تونس إلى هاوية سحيقة ؟؟؟ إلى انتحار جماعي ؟؟؟
امتحان صعب للطبقة السياسية كلها ، فهل تكون في مستوى اللحظة ، هي وقيس سعيد وراشد الغنوشي ، اللذان بيدهما الحل والربط ، في مرحلة مفصلية من تاريخ البلاد.