احتضن فضاء مكتبة محمد العروسي المطوي بمدينة المطوية الأبية, يوم السبت 16 مارس 2019 تظاهرة ثقافية هامة شارك في تنظيمها و نجاحها كفاءات أصيلي الجهة تحت إشراف جمعية مهرجان العين و مساندة من النسيج الجمعياتي النشيط و بلدية المكان.
و قدم المفكر يوسف الصديق المختص في الفلسفة و الانتروبولوجيا و المؤلف لعدة إصدارات و كتب محاضرة قيمة تحت عنوان “الإسلام و الديمقراطية”.
و مثّل هذا الملتقى موعدا جمع كل الأجيال و الأطياف من الجهات المجاورة و فرقاء الأمس الذين شتّتهم الانتماء الحزبي و المرجعيات الفكرية و الأنشطة المجتمعية.
و إذ أغتنم هذه الفرصة بصفتي ابن واحة المطوية و أحد مرافقي المحاضر في تنقله خصيصا من العاصمة لأتقدم بأطيب بطاقات الامتنان معطّة برائحة حناء جهة قابس و جنانها الفيحاء فاني أشد على أيادي الأجيال الجديدة من الناشطين و المعتنين بالشأن العام بعيدا عن التكلس الفكري أو العقائدي ديدنهم في ذلك النهوض بموطنهم و استرجاع مجده التاريخي و رمزية شرف الانتماء إلى ربوع أنشأت أجيال و أسّست الذاكرة و أثرت رصيدا من حسن الصيت و طيب المعشر.
و بالإضافة إلى قيمة المداخلة و عمق محاضرة السيد يوسف الصديق فقد ابهرني الحضور المكثّف و النوعي لأبناء الجهة الذين توافدوا مبكرا من كل تخوم المدينة و أجوارها و من كل الأجيال و الحساسيات فمثّلوا باقة ساطعة الألوان وشّحتها سيدات و فتيات قدمن لاقتناء فرصة اللقاء بالفكرة و الرمز غايتهن تغيير الصورة النمطية المسبقة عن العلاقة بالإبداع و بالآخر عموما.
نجحنا و تألّقت الجهة و ساهم في وضع التحدي أجيال من كل الاتجاهات السياسية و الفكرية و النقابية و الجمعياتية و أكرم المنظمون ضيوفهم و فتحت قلوب العائلات التي استقبلتنا بديارها بكل ودّ و عفوية و تلقائية.
ألف تحية إلى جمعية مهرجان العين و المشرفين عليها و سعيهم لتدارك ما فات من تغييب قسري كاد يجفّف منابع الإبداع و الثقافة باعتبارها الرافد الأساسي لكل تنمية شاملة و مستدامة.
و تحية كذلك إلى السيد رئيس البلدية و أعضاء المجلس البلدي و كل أطياف النسيج الجمعياتي الذين واكبوا التظاهرة و ساهموا في إنجاحها على كل المستويات و الأصعدة بكل لباقة و كياسة و تطوّع لخدمة الصالح العام و ضمانا لحرية الفكر و التنوّع و التنشئة الاجتماعية السليمة للأجيال القادمة باعتبارها رهان المستقبل و الجسر الممتد بين أمجاد الماضي و إشراق نور الغد.
نشوتي ترجع إلى استحضار أتلاد رموز المطوية اللذين أناروا الطريق و مثّلوا شموعا تكنس الظلام و تفتح البصائر على الخلق و التنوّع و التسامح و التعايش حد التثاقف, فنحن في فضاء محمد العروسي المطوي الذي نحت نقوش الذاكرة الجماعيّة و كوّن مدرسة من أدباء الواحة أثثت كتبهم و إصداراتهم و صورهم و معلقاتهم و رسومهم و لوحاتهم هذا البناء الجميل الذي ساهم في إعلاء صرحه كل الأحبّة و الكرماء من أحفاد بلقاسم القناوي و التوهامي جراد و على جراد و أم السعد يحي و خديجة رابح و شريفة فيّاش و قائمة سجارة رموز المطوية التي لم تتأسس يوما على عصبية قبلية أو أحادية فكرية حيث تعايش على تربتها المناضل النقابي و الزعيم الشيوعي و القيادي الدستوري و الثائر القومي و الطوبوي الإسلامي…
شاركوا هؤلاء جميعا في النقاش و تداولوا على المصدح لممارسة حقّهم في إبداء الرأي و المجادلة حدّ الإحراج في كنف احترام المقام و تبجيل العقل و تسجيل المراجعة و اتخاذ مسافة الأمان عن الاندفاع و الانغلاق و التجريح.
أنتم الحاضرون و الحاضرات مثّلتم شمعة مضيئة و أنرتم الطريق مجددا و أهديتم فرصة نوعية لموعد تأخرنا في اقتناصه حتى نتبادل التحيّة بعد جفوة ونستحضر الأصدقاء و الأحبة و الرفاق الذين غيّبتهم الموت و لم يتمكنوا من مشاركتنا في فعاليات مسامرة وددت لو أنها تناولت حاضرنا أكثر من ماضينا و اقترحت حلولا لمستقبل بناتنا و بنونا حتى يتمكنوا يوما من وضع لبنة جديدة في صرح الذاكرة الحيّة بعيدا عن عتمة السنوات الأخيرة التي لا بد أن تزهر واحتنا على أعتابها ريحان الربيع و ثمار خدود الرمان بقامة النخيل المتطلع دوما إلى السماء المضنية.
الأستاذ الهادي دحمان