على اثر إصدار قاضي التحقيق المكلف بالبحث في ملف وفاة الرضع بمستشفى الرابطة لقرارين يقضيان بمنع بث تحقيق يتعلق بالوقائع التي احاطت بالملف احدها للاعلامي حمزة البلومي على قناة الحوار التونسي و الثاني إعادة بث برنامج تم بثه على قناة قرطاج+ يعده معز بن غربية تعالت الأصوات المنددة بهذا القرار واعتبرت أن سرية التحقيق لا تتعارض مع حرية الإعلام في نظام ديمقراطي ونادت بضرورة التكاتف من اجل إنقاذ المكسب الوحيد الذي تحقق بعد الثورة حرية التعبير التي تعيش احلك فتراتها بسبب التضييقات على المدونين والأحكام الصادرة ضدهم والتي كانت محل انتقاد من العديد من المنظمات الحقوقية .التساءل الملح الآن هل يجوز لقاضي التحقيق قانونا منع بث برنامج إعلامي ؟
حسب الأستاذ عماد بن حليمة تضمن كل واحد من القرارين القاضي بالمنع على كلمات مفاتيح و هي “توفر معلومات اكيدة”و “دون ترخيص مسبق”و “تدخلا في سير العدالة”و خرقا لأحكام الفصل 109من الدستور و بين أن قاضي التحقيق لم يؤسس قراره على نصوص قانونية مثل المرسوم عدد 115 لسنة 2011 المؤرخ في 02/11/2011 المنظم لحرّية الصحافة و الطباعة و المرسوم 116 الصادر بنفس التاريخ المتعلّق بحرّية الإتصال السمعي و البصري و لا مجلّة الإجراءات الجزائية التي تضبط بدقّة السلطات المخوّلة حصرا لقاضي التحقيق و الأمر مفهوم لأنّه لم يجد فيها ما يخول له قانونا التدخل قصد تعطيل بث برنامج إعلامي جزئيا أو كلّيا .
وفي تقديره أوّل ما يسترعى الإنتباه هو استعمال قاضي التحقيق لتعبير غير مألوف في الأدب القضائي و هو “توفر معلومات أكيدة” فهذه العبارة تستعملها الجهات الأمنيّة التي تبني نشاطها و عملها على الإفادات و الإعلامات أمّا قاضي التحقيق و القضاء عموما فهو يتعامل مع وثائق الملف و لا يتخذ قرارات أو يصدر أحكاما بناءًا على العلم الشخصي.
ثمّ ما المقصود من عبارات “التناول الإعلامي لقضية لازالت في طور التحقيق دون ترخيص مسبق” ؟ من هي الجهة التي تختصّ بإسناد ترخيصا ؟
حسب الأستاذ عماد قاضي التحقيق لا يملك سلطة الترخيص و لا توجد جهة أخرى مخوّل لها ذلك فالأمر ينظمه القانون إذا جاء بالفصل 61 من المرسوم 115 المشار إليه أعلاه أنه “يحجّر نشر وثائق التحقيق قبل تلاوتها في جلسة علنية” و بالتالي فإنّه من باب الهراء القانوني أن نتحدّث عن وجود إمكانية لمنح ترخيصا لخرق القانون.
فالأصل في الأمور الصحّة و المطابقة للقانون و إن ظهر بعد بث البرنامج أن هناك خرق للقانون فيمكن تتبع المخالف طبق أحكام الفصل 61 المذكور الذي يقرّر خطية تتراوح بين ألف و ألفي دينارا إضافة إلى تعهيد الهيئة العليا المستقلّة للإتّصال السمعي البصري التي تمارس صلاحياتها في المجال طبق احكام الفصل 29 و ما بعده من المرسوم 116 المذكور.
و بناءا عليه فانه من الواضح حسب ذكره أن قاضي التحقيق إتّخذ قرارا لمنع إرتكاب جريمة محتملة و هو أمر غير مقبول من الناحية القانونية و تعسّف في استعمال السلطة المخوّلة له بمقتضى القوانين المنظمة لمؤسسة قاضي التحقيق.
و استدل بمقارنة بين هذا القرار و قرار يقضي بمنع مغادرة شخص لمحلّ سكناه بدعوى أنّه يخشى من إرتكابه لجريمة و هذا أمر غير جائز فالأصل أن يتمتّع الإنسان بالحرية و إن إرتكب جرما فمصيره العقاب ولا يجوز قانونا الإلتجاء إلى ما أطلق بإجراءات الإجهاض الجنائي .
الملفت للانتباه كذلك في قرار المنع هو إستنجاد قاضي التحقيق بالفصل 109 من الدستور و الحديث عن التدخل في سير العدالة .
من الناحية الشكلية اعتبر الأستاذ عماد بن حليمة أن تأسيس قرار المنع على الفصل 109 المذكور مرفوض قانونا لأن الدستور يتضمّن مبادئ عامّة يقع تجسيدها في نصوص قانونية تهتمّ بتنظيم قطاعات مختلفة و لا يجوز تأسيس الأحكام و القرارات القضائية على أحكام الدستور .
و أشار في السياق ذاته إن الرّأي الذي ذهب إليه قاضي التحقيق مبنى على تحريف خطير لمعنى الفصل 109 الذي منع التدخّل في سير القضاء و ليس في سير القضايا يعني أنّه تكريس لاستقلالية العمل القضائي و منع التأثيرات الخارجيّة على القرار العادل .
و انتهى إلى القول أن القرارين الصادرين عن قاضي التحقيق مخالفين لجميع النصوص القانونية المعمول بها و ينطويان على إعتداء على إختصاصات الهيئة العليا المستقلّة للإتصال السمعي البصري و هو قرار في تقديره غير حريّ بالتطبيق لأنه صادر عمّن ليست له سلطة النظر و يشكل في نفس الوقت خطأ مرفقيا واضحا يفتح باب الحق المطالبة بالتعويض لما تضرّر منه.
و قال انه في تقديره يراى أن الغلو القانوني الذي بنى عليه قرار المنع قد يدفع للقول بقيام شبهة عدم الإطمئنان للعمل القضائي المحايد طبق أحكام الفصل 294 من مجلة الإجراءات الجزائية و يستوجب مباشرة إجراءات سحب الملف منه و إسناده إلى قاضي تحقيق أخر.
هاجر و أسماء