-
لم تعرف تونس رئيس حكومة يملأ ذلك الكرسي الوثير
-
سنذهب لنادي باريس… لجدولة الديون… و”الكوميسيون” في البال…!!!
تونس –“الوسط نيوز” – كتب : عبد اللطيف الفراتي
إفلاس الدولة ، الذي لا تريد أن تعترف به الحكومة اليوم ، يجد جذوره في تلك الاستقالة المدوية التي قدمها حسين الديماسي وزير المالية في منتصف 2012 بعد أقل من نصف عام على تشكيل حكومة النهضة ، تحت تسمية الترويكا ، والأسباب التي استقال من أجلها لديماسي آنذاك هي التي قادت إلى الوضع الذي وصله الحال اليوم ، بعد قرابة عشر سنوات من التصرف المراهق والهروب إلى الأمام ، ورفض انتهاج سياسة إصلاحات عميقة ، تجاهلت وضعها كل الحكومات المتعاقبة طيلة سنوات.
فقد استقال حسين الديماسي عندما لمس قلة جدية حكومة الترويكا ، في آتباع سياسة إصلاح جذرية ، بدأ بتنفيذها الوزير الأسبق محمد الغنوشي ، وانقطعت بمناسبة الثورة في 2011.
ولقد حدد الديماسي أسباب استقالته في اتباع سياسة مالية خرقاء ، قائمة على أولوية تعويض ضحايا سنوات الجمر ، خاصة من الاسلاميين ، وتوظيف أعداد كبيرة منهم في الوظيفة العمومية ، بدون كفاءات ، ما اثقل كاهل الميزانية ، كما رفض الرغبة التي أبداها رئيس الجمهورية المؤقت منصف المرزوقي ، في إقالة محافظ البنك المركزي مصطفى كمال النابلي ، والتصرف في المال العام تصرفا مراهقا ، لا علاقة له بالسير الطبيعي للدولة أي دولة ، والاندفاع إلى الأمام بدون ضوابط في إنفاق غير مبرر.
وبدل الاقدام على إصلاحات كان يتطلبها الظرف ، اتجهت الحكومات الموالية على طريق سياسات توسعية ، أرضت الجماهير، ولكنها أرهقت اقتصاد البلاد، زاد من ذلك انهيار المؤسسات العمومية ، التي وبدل أن تعطي المدد لمالية الدولة ، عبر أرباحها المفترضة ، وما ينبغي أن تدفعه من ضرائب باتت عبئا عليها .
وإني لأذكر جيدا ما نما لي من معلومات في بداية الثمانينات ، عندما كان منصور معلى وزيرا للتخطيط والمالية ، وعبد العزيز الأصرم وزيرا للاقتصاد ، فقد طلب وزير الاقتصاد مددا ماليا سنة 1981 لتغطية خسائر المؤسسات العمومية الموروث عن فترة حكم نويرة ، فأسعفه وزير المالية ، مشترطا عليه أن تلك هي آخر مرة ، وفي العام الموالي عاد سي عزوز بطلب مماثل ، فقال له وزير المالية آنذاك : لا ، إننا لن نتركها تعيش بصورة اصطناعية على حساب دافعي الضرائب ، وفعلا اضطرت للقيام بإصلاحات مكنتها من الديمومة بدون مدد.
تلك هي الطريفة المثلى للكيفية التي تساس بها البلدان الواعية.
**
إذن قلنا وكررنا ونبهنا مرات ومرات ، ومقالاتنا تشهد غلى ذلك كما قال غيرنا أيضا وكتب ورفع عقيرته ، وفيما شكلت حكومة مهدي جمعة الاستثناء ، رغم أنها كانت حكومة مؤقتة ، فإن بقية الحكومات التي جاءت بغدها ، انخرطت في سياسات سياسوية ، ليس من هدف لها إلا إرادة البقاء والاستمرار ، بدون أي برامج اصلاحية أو حتى مجرد التفكير فيها .
وبدون تجن على أحد ، وبدون الرغبة في النيل من أحد ، فمنذ انتخابات 2014 ، فإن بلادنا لم تعرف منذ ذلك الحين وحتى قبله ومنذ الثورة رئيس حكومة يمكن القول إنه يملأ دلك الكرسي الوثير ، ورغم ثراء البرنامج الذي أعده لنداء تونس عدد من كبار الاقتصاديين على رأسهم محمود بن رمضان وسليم شاكر، فإن الباحي قائد السبسي رئيس الجمهورية اختار لرئاسة الحكومة الحبيب الصيد ، الذي على خصاله الجمة ، لم يكن – وقلنا ذلك في إبانه – الرجل المناسب في بلد يعج بكبار الاقتصاديين بعضهم من ذوي الصيت الدولي .
كما إن من جاؤوا بعده لم يكونوا أفضل منه ، وبعضهم تميز بالقدرة على المناورة ، وغاب عن الجميع أن الاقتصاد وإن لم يعتبر علما صحيحا فإنه يتميز بميكانيكية ، الأقعال والقرارات التي تؤدي إلى نتائج معينة معلومة مسبقا بشرط معرفة الإحاطة بالمشاكل وتفاصيلها ، وتحديد الأهداف بدقة ، واعتماد الأدوات الموصلة وهي معروفة.
وفي غياب أرادة الاصلاح والتوجه نحو العلاج ، وربما في غياب القدرة ، وفي غياب الشجاعة وحتى حس التضحية بالمنصب ، لمصلحة المجموعة، كما فعل رئيس حكومة ألمانيا السابق شرويدر الذي أقدم على إصلاحات كبرى ولكن بطعم مر على مواطنيه ، مصارحا إياهم بمرارتها معلنا أتها ستدفعه لخسارة الانتخابات ومغادرة الحكم.
قال رئيس الحكومة إن تونس ليست في حالة إفلاس ، وما لم يقله إنها في طريق الافلاس إن لم تكن مفلسة قغلا ، وماذا يعني أن تقترض الدولة ، لا لإقامة مشاريع تنمي الثروة ، ولكن لخلاص أجور موظفين عدد كبير منهم غير منتج ، وتكون مسيرة الدولة أفضل لو كان ممكنا الاستغناء عن ثلثهم ، أو لو كانت الشجاعة كافية لتجميد أجورهم لمدة ثلاث سنوات ، أو للنفخ في صورة مؤسسات عمومية مفلسة وستبقى مفلسة ما لم تتناولها يد الاصلاح أو التفويت ، تنهب مما يدفعه دافعو الضرائب أي أنت و أنا .
كبار الاقتصاديين يتفقون على أنه بقي مجال للاصلاح ، ولكن بشرطين اثنين :
– القبول بتضحيات مؤلمة من قبل الشعب
– وضع رجال مناسبين قادرين على إخراج البلاد من عنق الزجاجة ، وهو الأمر الأكثر تعقيدا لأن المناصب ما زالت تستهوي ، وأي عاقل اليوم لا يقبل أن يضع نفسه في فوهة المدفع.
بغير هذا ، سنذهب لنادي باريس ، لاعادة جدولة الديون ، ولا بد ان نستذكر الكوميسيون ونهج الكوميسيون ، في ما سبق انتصاب الحماية في بلادنا ، وعندها ستكون الدولة مضطرة لتخفيض الأجور ،والجرايات ، وفرض ضرائب عالية ، إلى آخر القائمة .