كان بالإمكان كما يقال أفضل مما كان. هل يجوز بث إعلان على الساعة الثانية صباحا؟ ثم لماذا لم يعتمد الحكومة التلفزيون للحديث إلى الشعب عن للقرارات للتصدي لجائحة كورونا؟ في الحالة الأولى كما في الثانية هناك إخفاق في التوائم مع “مقتضيات الزمن الصحفي”.
يقول المثل العربي “رب صدفة خير من ألف ميعاد”. وها هي الصدفة إذن تأتي لتبي لنا ضعف التعاطي الاتصال الحكومي مع الشأن الوطني. وهو واقع يقر به القاصي والداني. والصدفة تتمثل في الإعلان في كل من فرنسا وفي بلادنا عن جملة من قرارات للحد من تداعيات جائحة كورونا.
هناك عبارة فرنسية للتدليل على أنه “لا مجال للشك “. و هي تلك التي تفيد أن لا فائدة في استخدام الصور لنتبين خلال سباقات الخيل من هو الحصان الذي حل أولا في السباق: .«Il n’y a pas photos » و هي تعكس حقيقة ما سنذكره في هذه الأسطر.و هي أننا نعيش اليوم في بلادنا زمن ما يسميه الزميل صلاح الدين الديردي “الأمية الإتصالية”.
إذ أن تحليل أداء الاتصال الحكومي لم يأخذ في ترويجه للقرارات المذكورة أعلاه في الإعتبار و مرة أخرى الشراكة الازمة مع وسائل الإعلام بمختلف أنواعها و محاملها. و هي شراكة أساسية يفرضها العمل الحكومي بإعتبار أن الإعلام عنصر أساسي في الترويج لكل ما ترغب الحكومة في إبلاغه لعامة الناس.
أين الحوكمة الاتصالية الرشيدة؟
و القاعدة في هذا المجال -وأقول قاعدة لأن المسائل التي أتحدث عنها فرضها المنطق أكدتها دراسات و أدبيات مهنية و علمية مأكدة من قبل المختصين و لا يمكن تبرير عكسها إلا الذي لا يعرف قواعد الحوكمة الاتصالية الرشيدة- القاعدة إذن هي موائمة كل ما نفعله مع ما يسمى اليوم “الزمن الصحفي”.
و “الزمن الصحفي ” هو مصطلح يعني و دون الدخول في الجزئيات نمط الإنتاج الصحافة و خاصياته. و يمكن العودة في هذا المجال إلى جملة من الأدبيات العلمية و المهنية و من بينها وثيقة مرجعية صادرة عن منظمة اليونسكو سنة 2006 تحت عنوان “المديديا و الحوكمة الرشيدة”. و هو متاح على موقعها للتحميل.
الموضوع يتطلب بالطبع تحليل أعمق و مساحة أكبر و لكنه من المهم أن نتوقف عند مسألتين أساسيتين. تتعلق الأولي بإستخدام بلاغ لتقديم القرارات المتخذة. و السؤال من هذه الناحية هو التالي: هل أن هذه الوسيلة هي الأمثل؟ ألم يكن من الأجدى –و كما فعل ذلك في الماضي بعض أصحاب القرارفي بلادنا- أن يتوجه رئيس الحكومة عبر التلفزيون؟ يقول عالم الإجتماع الكندي مارشال ماكلوهان و هو من أباء علوم الإعلام و الاتصال أن “الوسيلة هي الرسالة”.
و ذلك للتأكيد على ضرورة إختيار الوسيلة الإعلامية الأنجح لتمرير الرسائل الإعلامية. ألم يكن أجدى الحديث عبر التلفزيون؟ فلننظر ماذا يفعل المسؤولون الأول في مثل هذه الحالات؟ بداية بالطبع بالرئيس الفرنسي إيمانوال ماكرون نفسه.
“ما من إدارة للشأن العام في غياب التحسب”.
السؤال الثاني يتعلق بالتوقيت. كيف خطر ببال رئيس الحكومة إستصدار بلاغ فجر يوم الخميس. لأي متلقى و أي صدى إعلامي في ذاك التوقيت؟ ألم يكن من الأنفع أن يتحدث مساء الإربعاء خلال النشرة الرئيسية للأنباء أو قبلها بقليل؟ لكي يتم بالطبع تبليغها على أوسع نطاق و لتتمكن الصحف من نشر الخبر يوم غد. وهي التي كما يعلم الجميع تغلق صفحاتها على الساعة الثامنة و النصف أو التاسعة مساء على أقصى تقدير؟
بالطبع سنجد من يقول و يبرر القرار–و قد قيل و ذلك فعلا- أنه استحال الأمر نظرا إلى أن الاجتماع الذي أصدر القرارات المتعلقة بالتصدي للجائحة تم في وقت متأخر من مساء الإربعاء. كل التبريرات لا تنفع. و ذلك لسببين إثنين على الأقل. الأول هو أن أخذ القرار و تنفيذه لا بد كما قلنا سابقا أن يأخذ في الإعتبار الجوانب الإعلامية و الاتصالية.
و الثاني أن الحكومة عودتنا على مثل هذه السلوكات. فكم من مرة تحدث رئيس الحكومة في أوقات متأخرة جدا لا تراعي “الزمن الصحفي”. هل نسي البعض أنه أعلن عن تركيبة حكومته في منتصف يوم من الأيام؟
بدأنا بعبارة دقيقة فلننهي بنفس الطريقة. و لكن هذه العبارة تتنزل أكثر من غيرها في صلب موضوعنا. و هي مقولة صادرة عن مرجع في المجال و هو الذي يعتبر من أباء الصحافة في العالم إيميل دي جيراردان الذي يقول تقريبا ما يلي ” ما من إدارة للشأن العام في غياب التحسب”.
محمد قنطاره