نعود إلى تفاصيل “ريبورتاج الحرقة” في جزئه الثاني…
توجه علاء الدين رفقة عدد من العالمين بخفايا الأبيض المتوسط قاسي الرياح والمناخ الى شعبة “الكرمة”، اين الانطلاقة الى “لامبدوزا”. في المكان الذي انتظر علاء الدين نزول الليل حتى يكتسي بظلامه المؤقت ليخفي صورة المهاجر خلسة امام حماة المواطنين من الهجرة عبر البحر. حلت الانطلاقة بعد الثامنة مساءا، يقول علاء الدين ” تكفلت بمؤنة رحلتنا المطولة. وحين حلت الساعة خضع عامة الناس الى عادة العشاء والقهوة، وعند غياب كل نفس عن الشاطئ، انطلقنا…”
وصف علاء الدين بداية الرحلة وقبل الدخول في المياه الإقليمية بخصوصيتها الطبيعية، لكن ملامح الرحلة تبدلت على حد تعبيره بعد بلوغ المجال البحري، نقطة ” بئر الغاز ” اين تحولت الرواية تحولا اخر ميزها عن غيرها من رحلات الصيد بطابع غرائبي. فقد تحدث علاء الدين بلا مصباحه السحري الذي يمكن ان يحوله الى روما في ثوان عن حلول الصباح وهو لزال في سبيل منفاه المميز حسب رايه. وأين استوى لون الأرض والسماء، وأين انمحت جل ملامح الشاطئ واليابس. ولم يبق من العالم الا السماء الزرقاء وانعكاس لونها على الماء.
تغيرات مفاجئة في الرحلة
واصل علاء الدين الرحلة الى منفاه الفرنسي دون رغبة في الرجوع. وأعلن بان عدم رجوعه هذا كان سببا فيه عدم توفر أي أسباب للبقاء في وطنه، فلا البرلمان ولا الحكومة انتبهت الى اهوال الشعب وما يعانيه. واصل الرحلة دون أي مبالات، مع قصر المسافة الى أوروبا تبدلت ملامح المناخ، وهبت رياح أحيت هيجان الأمواج التي كانت على حد تعبيره اعلى ارتفاعا من المنازل. وكان هذا التغييرهو الفاعل الرسمي في إعادة التفكير في العودة. في البداية رفض الامر وعزم على المواصلة لكنه فيما بعد تيقن بان العودة ضرورية.
” عندما حلت واقعة العاصفة تيقنت أن زمن العودة قد حان … توجهت بمعصمي الى مياه البحر. وضعت يدي في الماء فوجدت في عمقه استواء رغوة الماء مع لونه الأزرق. ملكني الخوف من عمقه، تصورت انقلاب القارب او تحطم الخشب الذي يشكله، من سيجدنا حتى جثثنا لن تحلم بجنازة شريفة، ستنتهي حياتي كطعم للسمك”
كانت الرياح على حد تعبيره ضد المركب. بل ان القارب كان يسير بما لم تشتهيه الرياح، ولم يزل على ” لامبدوزا ” سوى عشرة اميال، أشار علاء الى ان البنزين لا يكفي لبلوغ “لامبدوزا” وهو نفسه يكفي لبلوغ خليج بوغرارة وأكثر. لان حركة القارب تكون أسرع مع الريح وأبطئ بأضعاف ضده.
العودة…
من تلك النقطة القريبة ادار علاء الدين دفة القارب بعد نفاذ المؤونة والتفاؤل وكم الامل الذي يدفعهم الى الوصول. وعاد بالمأساة الى وطنه بعد ان اعترضه شبح الموت ورؤية الغرق.
وفي الاخير فإن”الحرقة” نتيجة سياسة الأحزاب المهيمنة على السلطة التي عجزت عن توفير ابسط إمكانيات البقاء. بل انها لم تكتفي بتهميش هذه الفئات، بل اغرقت البلاد في القروض ورفعت من قيمة عجز الميزان التجاري وعمقت أكثر الازمة الاقتصادية الحادة التي تعيشها البلاد منذ الثورة.