ايام تفصلنا عن انتهاء العطلة البرلمانية ليعود مجلس نواب الشعب إلى سالف نشاطه. مع هذه العودة كثر الحديث عن ابرز الملفات التي يجب أن تضمن في جدول الأولويات، نتحدث هنا عن ملف تركيز المحكمة الدستورية أو ما يسمى بمعضلة إرساء هذه الهيئة التي نصّ عليها دستور 2014. ملف لا يزال رهين التوافقات بين الكتل النيابية ليكون قدره قضاء أكثر من 5 سنوات بين أروقة البرلمان الذي فشل في استكمال انتخاب 3 أعضاء من بين 4 رغم تعدد الجلسات العامة وجلسات البحث عن التوافق، اقل ما يقال عنه انه هشّ إن وجد وسرعان ما يسقط بمجرد انطلاق عملية التصويت.
الطريق المسدود
فشل رافق أعضاء مجلس نواب الشعب السابقين في أكثر من 5 مرات، اليوم ومع البرلمان الحالي الذي يعرف حالة من الاحتقان والفوضى بين الكتل النيابية فإن التوافق أيضا شبه مستحيل بشهادة أهل الدار مما يترك المجال للحديث عن الحل التشريعي وإمكانية اللجوء إليه كمفتاح لهذه الأزمة.
صادق مجلس نواب الشعب على مشروع القانون الأساسي المتعلق بالمحكمة الدستورية منذ جويلية 2015 وذلك بـ130 صوتا، نبقى دائما في لغة الأرقام فقد تجاوز هذا الأخير الآجال القانونية المنصوص عليها في الدستور لانتخاب أعضاء المحكمة الدستورية الـ 12 محددة بسنة وحيدة بعد تفعيل دستور 2014. لكن إلى اليوم لا وجود لبوادر انفراج في ظل المشهد السياسي الحالي وسيقبر هذا الملف لسنوات أخرى ربما تحت قبة باردو إذ لم يتم ايجاد حلّ لهذه المعضلة.
لمحة عن أهم المنعرجات
الجلسة العامة الوحيدة التي سجّلت نجاحا جزئيا للبرلمان في انتخاب عضو وحيد من بين أربعة (القاضية روضة الورسيغني) وذلك بعد حصولها على 150 صوتا في مارس 2018 ليكون الفشل عنوان بقية الجلسات الأمر الذي استوجب 3 دورات متتالية، لكن دون جدوى فقد سجّلت إحدى الجلسات التي عقدت بعد سنة تقريبا في مارس 2019 تصويت 159 نائبا فقط من بين 217 ، حيث وزعت الأصوات خلال هذه الجلسة على النحو التالي العياشي الهمامي 78 صوتا، سناء بن عاشور 77 صوتا، عبد اللطيف البوعزيزي 61 صوتا، شكري المبخوت 44 صوتا، عبد الرحمان كريم 14 صوتا، عبد الرزاق المختار 4 أصوات، كمال العياري 9 أصوات، ماهر كريشان 8 أصوات، محمد عادل كعنيش 15 صوتا، محمد الفاضل الطرودي 7 أصوات، ومنية العلمي 5 أصوات.
“علما وأن انتخاب عضو واحد من المحكمة الدستورية يتطلب شرط اغلبية الثلين أي 145 صوتا من بين 217 نواصل في لغة الارقام فقد نصّ القانون على ان المحكمة الدستورية تتكون من 12 عضوا (9 مختصين في القانون و3 من غير المختصين في القانون)، ينتخب البرلمان 4 أعضاء، وينتخب المجلس الأعلى للقضاء (مؤسسة دستورية مستقلة) 4، ويعين رئيس الدولة 4 آخرين.”
حركة النهضة تسعى إلى الهيمنة على المحكمة الدستورية
انطلق ملف المحكمة الدستورية في مرحلة جديدة مع انتخاب البرلمان الحالي ولكن المؤشرات لا تنبئ بخير أو ببوادر انفراج لهذه الأزمة، في ظل المشهد السياسي الحالي الذي يشهد حالة من التوتر وشبه القطيعة بين الكتل النيابية، حيث لا يزال البعض منها في خطواته الأولى يبحث عن الطريق الصحيح. فبشهادة النائب نعمان العشي فإن التوافقات غائبة ولا وجود لإجماع بين الكتل حول أسماء معينة، وبالتالي فإنه وفي صورة عقد جلسات أخرى قادمة بعد العودة البرلمانية وفي ظل بقاء الحال على ما هو عليه سيكون عنوانها الفشل كسابقاتها.
علما وأن أولى الجلسات كانت مبرمجة بتاريخ 16 جويلية المنقضي بسبب صراع الكتل البرلمانية مع حركة النهضة التي تسعى دائما إلى تمرير مرشيحها من أجل الهيئة على المحكمة الدستورية. الكتل النيابية كلها واعية بضرورة إرساء هذه الهيئة الدستورية ولكن على ارض الواقع تغلب الصراعات والحسابات السياسية الضيقة على حساب مصلحة البلاد فالكل يرتب حساباته ويريد السيطرة ونيل النصيب الأكبر من الكعكة لتمر أكثر من 5 سنوات دون محكمة دستورية رغم أهمية دورها والمهام الموكولة إليها بالقانون.
ماذا عن الحل التشريعي؟
من جهة أخرى، هناك من ينادي بالتدخل التشريعي لفضّ هذا الإشكال العالق لسنوات بسبب غياب التوافقات بين الكتل البرلمانية. وفي هذا الإطار فقد استكملت لجنة التشريع العام مؤخرا أعمالها فيما يتعلق بمناقشة مبادرتين تشريعيتين لتنقيح القانون الأساسي عدد 50 المؤرخ في 3 ديسمبر 2015 والمتعلق بالمحكمة الدستورية، المبادرة الأولى كانت قد تقدّمت بها الحكومة ممثلة في وزارة العدل وتتعلق بنقطة الأغلبية، وقد اقترحت أن يتم التخفيض فيها من 145 صوتا إلى 109 أصوات ويمكن أن تصل إلى 73 صوتا في حين تم اللجوء إلى دورات أخرى. أما المبادرة التشريعية الثانية فقد تقدّم بها عدد من النواب وتهم تنقيح الفصل 10 من القانون المذكور الذي يقول “يتم تعيين أعضاء المحكمة الدستورية تباعا من طرف مجلس نواب الشعب والمجلس الأعلى للقضاء ورئيس الجمهورية” وذلك بحذف عبارة “تباعا” منه لإعطاء الضوء الأخضر للطرفين الباقيين (رئاسة الجمهورية والمجلس الأعلى للقضاء) من اجل انتخاب وتعيين نصيبهما من عضوية المحكمة الدستورية (4 اعضاء لكل منهما) حتى يتمكن البرلمان من حل مشكلة التوافقات.
بين مطرقة التوافقات البرلمانية الشبه مستحيلة وسندان الحلّ التشريعي الذي يمكن أن يفتح باب التساؤل بخصوص “أي محكمة دستورية نريد في تركيبتها ومضمونها اذ انتخبت بـ109 او بــ73 صوتا؟” يبقى هذا الملف رهن الانتظار.