يعتبر رؤوف بن رجب من العارفين بالديبلوماسية التونسية التي عايش مختلف أطوارها .
و قد سبق له أن علق على ما تشهده الديبلوماسية من تطورات تثير الكثير من الاستغراب خاصة في الأشهر و الأسابيع الاخيرة.
و يعود اليوم الى المسألة عبر تحليل فيه الكثير من الحكمة و الجدية و يطلق صيحة فزع فيها الكثير من المعاني و الدلالات.
“السلك الدبلوماسي: هل لهذه المظلمة من نهاية؟
أعود مرة أخرى إلى وزارة الشؤون الخارجية التي اشتغلت فيها عقدا ونصف من الزمن وتربطني بعدد كبير من منتسبيها علاقات ود وزمالة وأخوة،
كنت قلت إن هذه الوزارة منذ تحمل رئيس الجمهورية قيس سعيد مسؤولياته تعيش وضعا لا يمكن أن يكون عاديا فوزير الخارجية الحالي هو الخامس الذي يتولى مهمة تسيير الوزارة في عشرة أشهر وهو رقم قياسي في عدم الاستقرار بكل المقاييس وهذا التداول غير الطبيعي كان من نتائجه الحتمية غياب تام للدبلوماسية التونسية على الساحتين الإقليمية والدولية ومن تداعياته الجانبية أن الحركة السنوية لرؤساء البعثات الدبلوماسية والدائمة والقنصلية لم يقع إنجازها في وقتها العادي وهي إلى الآن محل أخذ ورد حسبما يبدو. لماذا هذا التحامل غير العادي على هذه الوزارة والعاملين فيها، أكاد أعتقد أن في الأمر تصفية حسابات قديمة أو هو نتيجة لنظرة مزاجية تجاه هذا السلك ويبدو الأمر مستغربا من رئيس أحاط نفسه في بداية عهدته بأبناء هذه الوزارة فكلف السفير طارق بالطيب بإدارة ديوانه وعين السفير عبد الرؤوف بالطبيب في رتبة كبار مستشاريه قبل أن يستجلب إلى جانبه وزير الخارجية الأسبق عثمان الجيراندي وعينه مستشاره الدبلوماسي ثم كلفه بإدارة وزارة الخارجية ذاتها. تساؤل أطرحه و لا أظن أن أحدا يمكن يجيب عليه.
بلادنا منذ جانفي 2020 ولمدة سنتين تتولى مقعدا غير قار في مجلس الأمن الدولي وهو أعلى هيئة في المنتظم الأممي وكما كان الأمر في الوزارة عدم الاستقرار انتقل إلى خطة السفير المندوب الدائم لدى الأمم المتحدة في نيويورك فها نحن بصدد تعيين ثالث مسؤول يتولى هذه المهمة وهو أمر شديد الغرابة.
ليس من باب الدفاع عن السفيرين المنصف البعتي وقيس القبطني فأنا اعتبرهما من أفضل ما أنتجت المدرسة الدبلوماسية التونسية من حيث الكفاءة والنزاهة والوطنية وإنني أعتقد أن الاتهامات التي وجهت إليهما في جملة من البيانات لا أعتقد أنه وقعت صياغتها في وزارة الشؤون الخارجية لا تمت للواقع بصلة بل وقعت فبركتها في محاولة يائسة للمس من شخصيهما. أن يقع اتهام قيس القبطني بسوء التصرف المالي أمر يثير الاستغراب ففضلا على أنه لم يتول المهمة إلا منذ أشهر قلية فالسفارة تتوفر على محاسب مالي ولا أظن أن يد السفير مطلوقة للقيام بصرف الأموال دون رقيب. على أية حال نشر الغسيل المتسخ للوزارة في بيانات لا يخدم الدبلوماسية التونسية في شيء بل يعود عليها بشديد الأضرار.
إنني أستغرب خاصة اقحام موظفي المندوبية الدائمة في نيويورك في هذه المسالة بدعوتهم إلى توقيع نص موجه إلى رئيس الجمهورية كرد فعل على تصريحات السفير قيس القبطني. إن هذه الصنيع يعيدنا إلى فترة كنا نظن أننا تركناها دون رجعة فترة برقيات المساندة والتأييد أو عرائض المناشدة والتأبيد.
بالرغم من وجود هياكل تمثيلية في وزارة الشؤون الخارجية مثل نقابة السلك الدبلوماسي وسائر الجمعيات والوداديات فإننا لم نسمع لها صوتا أو رد فعل وكأن الأمر لا يعنيها. إني آسف أن وزارة الشؤون الخارجية بخلاف الهياكل الأخرى تفتقر إلى ما يسمى روح الجماعة esprit de corps فلو تعلق الأمر بأسلاك أخرى لقامت الدنيا ولم تقعد. أنا ضد هيمنة الجماعة المصلحية corporatisme الذي نراه في مهن أخرى من باب أنصر أخاك ظالما أو مظلوما لكن أرى ضروريا حد أدنى من التضامن في إطار السلك الدبلوماسي فيا خيبة المسعى ان يتم الاستفراد بقيس القبطني أو بغيره فالاتهامات الموجهة إليه خطيرة و يمكن أن تكون عواقبها وخيمة وما يتم اليوم معه قد يتكرر غدا مع غيره .دعوتي أن لا تقع الاستهانة بهذا الموضوع حتى لا يقال أًكلت يوم أُكل الثور الأبيض.
أنني أعتقد أن وزارة الشؤون الخارجية تمر بأوضاع أقل ما يقال فيها أنها غير عادية وأن أسرتها تعيش حالة من الإحباط ومن التساؤل المشروع حول مصيرها في ظل التذبذب وعدم الاستقرار الذي طبع تسييرها. الأمل معقود على الوزير عثمان الجيراندي وكاتب الدولة محمد علي النفطي وهما من أبناء الوزارة المرموقين والخبيرين بأوضاعها في إعادة الثقة ولم الصفوف وتجاوز الصعوبات ووضع حد للمظلمة التي تتعرض لها الوزارة والتي طال أمدها.
كان الله في عونهما.”