اعتبر الدكتور علية الصغير المؤرخ المتخصٌص في التاريخ المعاصر ان زمن بن علي رغم الهنات التي كانت فيه افضل من حكم الاخوان و مشتقاتهم وخاصة في مستوى الأداء البرلماني وهذا ما كتبه ما معنى أن تكون ثوريا في تونس حاليا؟
الكثيرون لإعطاء معنى لوجودهم وخاصة من الذين يأملون في تضليل الناس على حقيقتهم لا يفوّتون فرصة ليعلنوا انفسهم انهم ثوريون وحتى حاملي لواء الثورة و قادتها وحدهم وهم في الحقيقة عكس ما يدعون.
جماعة الاسلام السياسي من اتباع الغنوشي وجماعة “الاّ كرامة” وغيرهم من الانتهازيين و الوصوليين يتصايحون في كل موقع وفي كل حين انهم الثورة ذاتها لكن كل عاقل وله حد من الذاكرة وقدرة على تفكيك الخطاب المخاتل وتقييم الواقع القائم لن يجد مشقة في اكتشاف ان هذه الجموع “الثورية” هي بالعكس”الثورة المضادة” في حدّ ذاتها و هي حتى مقارنة بحكم بن علي ، على علاته الكثيرة، هم نكوص وارتداد على ما كان عليه الوضع وان ما نعيشه حاليا تحت حكم الاخوان و توابعهم هو عكس الثورة بالضبط.
الثورة انتقال من حالة سلبية في تاريخ الشعوب الى حالة ايجابية و هي قلب لأوضاع مجتمع ما في كل مستوياته وليس فقط مستوى الحكم السياسي فهي ارتقاء بالواقع. فلنقارن: مثلا مجلس نواب عهد بن علي، رغم انه كان فاقدا للمشروعية الانتخابية، كان أفضل مما نراه من مجالس بعد 2011 من حيث الكفاءة و النظافة و المردودية، فالمجلس الحالي يتقاسمه المسترزقة من تجار الدين و الفاسدين و المهربين و الغوغاء و انصار الارهاب دون فائدة على البلاد.
و هو لعمري ثورة مضادة. الوضع الاجتماعي والاقتصادي لتونس واهلها لا يتطلبان تحليلا مستفيضا :غرق البلاد في التبعية ، فساد في المالية العمومية،افلاس وشيك ، درجة تداين غير مسبوقة، فقر مستشري، بطالة عامة،فوضى و غلاء في الأسعار، و هي كلها مؤشرات تثبت اننا في حالة تراجع و نكوص ولا ثورة ولا هم يحزنون، الوضع الأمني : استشراء الجرائم و انعدام الإحساس بالأمان علاوة على استنبات الارهاب منذ 2011 و رعايته و حمايته رسميا ممن يعلنون انهم “الثورة” و انهم الثوريون بدون منازع،وهو نكوص بائن على ما كان عليه الوضع قبل 2011.
الخدمات الاخرى من صحة وتعليم و نقل وثقافة …، حدث ولا حرج ، فهو عهد التدهور الشامل . وحتى مكسب الحريات التي ربحها التونسيون منذ 2011 فهي يوميا تلتف عليها عصابات السياسة و تشتري اصوات الناخبين و الاعلام وتكبت الاصوات الحرة علاوة على تتبع المدونين و التضييق على حرية الضمير وعلى منتقدي الحاكمين وفضح تعدياتهم . من اين اذن أتت الثورية للمدعين هؤلاء وهم لم يشاركوا حتى في أحداث 2010-2011 و ظهروا بعد 2011 كالطفيليات او عادوا من المهاجر مسلّحين بالكره والحقد على التونسيين ورغبة جامحة في التشفي وجوع كبير للمال و الغنيمة فافسدوا حلم الثوريين الحقيقيين وجرّوا البلاد الى حالة الافلاس و أصابوا اهلها بالاحباط و اليأس.