من غرائب و عجائب ما يحدث في بلادنا في رمضان المبارك أن الذين ادعوا أنهم فصلوا الديني عن السياسي عادوا إلينا بعد خسارتهم في الانتخابات في ثوب الدعاة.
فمورو الذي كان مترشّحا للانتخابات الرئاسية و كاد يصير رئيسا للجمهورية اكتسح في شهر رمضان الإعلام المرئي و المسموع و الواقعي و الافتراضي فتجده داعية تقليديا في الزيتونة و داعية عصريا او لنقل بلغة يفهمها شعب الفايسبوك “داعية الفرارات” فبعد سياسيي الفرارات وثقافة الفرارات وفن الفرارات صار عندنا “داعية الفرارات”.
و ان ما نعنيه بالفراريزم هنا ليس معناه الاستهجاني الساخر من استعمال الشباب العفوي للكلمة بل ما صار للفظ من معنى اصطلاحي حيث صار الفراريزم يعني ثقافة هجينة مركبة من عناصر متناقضة المرجعيات غير منصهرة تجلب الانتباه لفرط تناقضها كأن يبسمل احدهم قبل احتساء جرعة من الخمر.
و ها هو مورو الداعية الخاشع على شاشة الزيتونة يصبح لطيفا “كوول” على موجات موزاييك فاذا كان على شاشة الزيتونة يستحضر تاريخ الدعوة النبوية المجيد ويتنقي من ذلك التاريخ ما يخدم ايديولوجيته الاخوانية دون مراعاة لا لشروط التاريخ في العصر القديم ولا الحديث.
فانه على موجات موزاييك يسمح لنفسه بأسلوب أكثر قربا لمستعملي الإذاعة من الشباب وعموم التونسيين العاديين غير المنتمين بالضرورة للاسلام السياسي فيشبّه التهجد لله ليلة القدر بقول أم كلثوم “أنت عمري” متظاهرا بخفة الدمّ ولَعمْري لم ينزل هذا من قبل في كتاب و لا أوصى به نبي ولكن أتى به مورو قلمون يتلوّن ضروبا و ألوانا للعيون أو هو مورو الاسكندري يعمل لرزقه كل آلة لا يقعدن بأيّ حالة.
فها هو في الزيتونة تنتج برنامجه مؤسسة القيروان الإعلامية التي أنتجت بعد الثورة محاضرات أبي عياض لسان حزب التحرير وها هو على موجات موزاييك مدعوم بالزيتونة تكافل و إذا بخطاب الدعوة المستمد حرفيا من كتابي في ظلال القرآن و معالم على الطريق يبث في نسخة أصلية على الزيتونة و في نسخة مخففة بلا قشدة منزوع الدسم نسبيا على موزاييك لكن المنتوج في كلا الحالتين مسموم يبث الكراهية بين أبناء الوطن الواحد فهذا مؤمن تائب لله و هذا عاص تارك الكتاب و الواجبات، و هذا صيني مبدع و مع ذلك هو في نظر مورو لا يصل إلى مرتبة مسلم و لو كان جاهلا المهم أن يكون قائما بالطاعات و كأن الإسلام لا يمكن أن يكون قابلا للاعتراف بغير المسلمين حتى لو كان المسلمون يدينون إليهم في كل العلوم و الصناعات و المهارات و كأن جوهر الإنسان أن يؤدي الطاعات و يروض أبالسة النفس لا غير.
و لنقارن بين مورو الزيتونة ومورو موزاييك فهو داعية إلى اعتناق رؤية للإسلام مرجعيتها الوحيدة منظور سيد قطب والمودودي ومرجعيتها الحاكمية والكتاب أصلا للتشريع وللسياسة وللحياة وغرضها من ذلك الوصول للسلطة ودعم تلك السلطة بعناصر جدد للحركة و تجديد قواعدها التي تآكلت بسبب الاكراهات وتناقضات الحكم. إن عزاءنا الوحيد أنا ندرك علميا أن الحداثة دينامية لا تتوقف حين تبدأ وقد بدأت منذ عقود، ثم إن التاريخ التونسي يعلمنا أن الدولة وتقاليدها راسخة قبل المجتمع التونسي نفسه واعرق من ثقافة “الفراريزم” التي تخلط الفاتحة بالخمرة والقرآن بأم كلثوم.
و لعل أفضل مثال على هذا أن منشط فقرة يوم 14 ماي وبعد مواعظ مورو الخاشعة استضاف رجلا يريد أن يبيع لوحا رقميا. وأثناء محاورته تبين انه ربما يكون قد هربها اثناء سفره ومازحه البائع مؤكدا انه يهرب أيضا ما يتعلق بالسيارات ومر عبر هذا المزاح قيم ندينها لثقافة التذاكي و اختراق القانون أي الفراريزم بمعنى “سي المهف” المهرّب المتحدي للدولة و المفارقة تكمن انه حين سأله المنشط: هاش قولك في برامجنا؟
اجابه السيد: و الله يعطيكم الصحة و بارك الله فيكم على فقرة سيدنا الشيخ مورو عظم الله اجركم. وشكره المنشط واستغل كون بائعه اعترف بتهريب ما سيبيعه فجعل ثمنه المقترح ادنى بكثير من ثمن البضاعة في السوق. وضحك الجميع.
و لكن المفارقة كانت موجعة وهكذا تذكرت قول القائل جعلت الليل للكاس و النهار للناس، و أما هؤلاء فجعلوا وقتا للمتاجرة بالدين و وقتا للمتاجرة بما يباع ويشترى من بضائع واما التونسيون من الذين يحلمون بوطن يقوم على المواطنة بمعنى الحقوق و الواجبات وبمعنى المسؤولية والتواضع على قوانين تسير البلاد و يتم غرس ثقافة احترامها واحترام القوانين والدعوة الى التحلي بقيمها واعلائها فكل ذلك ليس من أولويات هذه الشركات و رؤوس الأموال التي تدعم هذا الفكر وتنتجه وتشجع على استهلاكه. إنا نطلق صيحة لكل المواطنين لينقذوا عقولهم من التلاعب بها من طرف مصالح تتلاعب بالدعوة الإسلامية وبفكر الصحوة لأجل غرض وحيد الربح على حساب حقوقنا والعدالة والمواطنة. حذار فإنهم يستلبون العقول بتوظيف الدين و إنهم يبيعون القرد و يضحكون على شاريه.
و ها قد سقط القناع و بان انه من المستحيل فصل السياسي عن الدعوي و كسكسلو يرجع لأصلو.