-
عودة الدولة كعنصر أساسي و فعال
-
التعجيل بإيجاد حلول للقطاع غير المنظم و دعم المؤسسات الصغرى و المتوسطة
خص الخبير الحبيب كراولي “الوسط نيوز” بتحليل عميق له أبعاد اجتماعية، اقتصادية و مالية هامة تناول تداعيات أزمة كورونا عالميا و وطنيا.
و دعا الى “أكثر دولة لأفضل دولة” (Plus d’Etat, pour mieux d’Etat) إلى جانب ضرورة التعجيل بإيجاد حلول عملية للقطاع غير المنظمة و دعم المؤسسات الصغرى و المتوسطة.
و فيما يلي النص الكامل لتحليل الأستاذ الحبيب كراولي:
أولاّ على المستوى المنهجي و في قراءة هذه الازمة، هناك شبه إجماع بين كل المحللين و المتابعين للشأن الاقتصادي و الاجتماعي و صانعي السياسات و القرارات فيما يخص تشخيص و تقدير تداعياتها والتي ستكون بكل تأكيد اقتصادية و اجتماعية أكثر منها صحيّة.
ثانيا إجماع أيضا حول توصيفها و اعتبار أنه ليس لها مثيل في تاريخ الإنسانية و بالتالي من الصعب الاستئناس بالماضي لتفسيرها أو التكهن بتداعياتها على كل المستويات.
ثالثا في إطار هذا الاجماع إقرار بعدم القدرة، حسب المعطيات المتوفرة لدينا الآن ، على التكهن بدقة لتداعياتها و الاكتفاء بتحديد بعض الملامح الكبرى.
انعكاسات و كلفة ستكون عالية جدا
- مئات الملايين من مواطن الشغل الضائعة و المهددة
- اندثار أكثر من 25 ألف مليار دولار من الادخار الموظف في البورصة
- تهديد مباشر و حياتي لمآت الآلاف من المؤسسات الصغرى و المتوسطة و التي تتوفر فيها طاقة تشغيلية كبيرة
- كل التقارير تفيد أنّه بين 6 و8 % من سكان العالم مهددون بالفقر و بالتالي هناك تقديرات تتكلم عن رقم بين 450 و 800 مليون فقير إضافي
- هنالك حسب كل الدراسات حوالي 2 مليار نسمة يعملون بالقطاع غير المنظم وبالتالي بدون اي تغطية اجتماعية أو صحية و هذا سيكون من التحديات الكبرى بالنسبة لكل بلدان العالم و خاصة بالنسبة لبلدان العربية و الافريقية و النامية
- طبعا كل الحكومات و البنوك المركزية تدخلت بسرعة لأنها قيمت هذا الوضع ، مع تحيين مسترسل للبيانات ، و وضعت أكثر من 10 الاف مليار دولار أي حوالي 10% من الناتج الداخلي الخام لدعم الاقتصاد بهدف مقاومة الكورونا و رغم هذا الرقم الخيالي فان العديد من المحللين يعتبرون انه غير كافي لمجابهة الوضع.
- تعديل و مراجعة العديد من الثوابت و القوانين و التراتيب لمجابهة الوضع و خاصة منها تدخلات البنوك المركزية لمعاضدة الحكومات و الاقتصادية.
الآن ماهي السيناريوهات المحتملة إذ اعتبرنا ان هذه الأزمة في جانبها الصحّي ستدوم حتى نهاية سنة 2020 في أفضل الحالات.
3 سيناريوهات مقترحة:
- السيناريو الأول يعبر عنه بمنحنى(courbe) له شكل V و الذي يتمثل في أن عمق الأزمة سيكون في حدود شهر 5 و 6 ثم مباشرة سيستأنف النشاط بنسق قوي. جل المحللين يعتبرون انه سيناريو تفاؤلي جدّا ولا يعكس ما قد يكون. مع التأكيد أنه غير ممكن بالنسبة للوضع في تونس لأسباب موضوعية ترجع إلى هشاشة النسيج الاقتصادي و المؤسساتي و إلى ما سيكون عليه الوضع في أهم أسواقنا التقليدية (ضغط على مستوى العرض و الطلب في نفس الوقت)
- السيناريو الثاني هو ما يعبّر عليه بمنحىU وهو أكثر واقعية في نظري اذ يعتبر أن فترة الانكماش ستدوم أكثر و على الأقل حتى نهاية سنة 2020 ثم يستأنف النشاط فيما بعد إذا ما اعتبرنا أيضا أن الإجراءات المتخذة ستعطي مفعولها في السداسي الثاني من سنة 2020 ، و إذا اعتبرنا أن نسق النمو سيستأنف بالمستوى المطلوب في أسواقنا التقليدية ، فإن هذا الافتراض أقرب إلى ما قد سيكون عليه الوضع في تونس.
- السيناريو الثالث يعبر عليه بمنحىW و هذا وارد أيضا و رهين جديّة و انضباط البلد في مرحلة الرفع التدريجي للحضر الصحي اذ ان الرفع الكلي و الشامل و السريع قد يؤدي إلى رجوع الأزمة من جديد و بأكثر حدة .هذا الخطر يهددنا إذا اعتبرنا لا مسؤولية بعض المواطنين و عدم الصرامة في معالجتها.
إختبار للدولة و نجاعتها
ستكون هذه التداعيات أكثر حدة في البلدان العربية و الافريقية و البلدان التي هي في طور النمو و تمثل اختبارا و تحديا كبيران. هذه الأزمة اختبار جدّي لقدرة و فاعلية الحكومات في التوّقي أولا من هذه الجائحة و حماية مواطنيها على المستوى الصحي ثم اقتراح الحلول و ايجاد الآليات للتقليص من التداعيات الاقتصادية و الاجتماعية.
هذا يؤكد ما عبرت عنه منذ سنة 2011 من عودة الدولة كعنصر فاعل و أساسي في إيجاد الحلول و صياغتها و تنفيذها و ذلك انطلاقا من الدروس المستوعبة على إثر أزمة 2008 و تأكد على عكس التوجه الليبيرالي أننا في حاجة إلى “أكثر دولة لأفضل دولة”(Plus d’Etat, pour mieux d’Etat)
الخطر الاجتماعي
بالنسبة لنا أن هذه الأزمة ستكون كاشفة (révélateur) و ستعمق عوامل الخطر (facteurs de risque) من نظام صحي و فقر و خصاصة و بطالة و فوارق جهوية و خلافات شغليه و هشاشة رأس المال المحلي… و بالتالي على الدولة أن تبرهن على قدرتها على حماية مواطنيها في مرحلة أولى ثم على اقتراح الحلول و ايجاد الآليات الكفيلة لمساندة النسيج الاقتصادي و الاجتماعي لتجاوز هذه الأزمة و رفع التحديات فيما يخص خاصة القطاع الغير المنظم و الذي يستوجب حلولا عاجلة .
هذا يؤكد ما عبرت عنه منذ سنة 2011 من عودة الدولة كعنصر فاعل و أساسي في إيجاد الحلول و صياغتها و تنفيذها و ذلك انطلاقا من الدروس المستوعبة على إثر أزمة 2008 و تأكد على عكس التوجه الليبيرالي أننا في حاجة إلى “أكثر دولة لأفضل دولة”(Plus d’Etat, pour mieux d’Etat)
إن الحكومة مطالبة بتشخيص دقيق و تقييم واقعي للوضع ثم اعتماد الجرأة في أخذ القرارات بطريقة استباقية و التحلي بالطرافة و الابتكار فيما يخص معالجة الوضعيات. نستطيع أن نكسب الرهان إذا ما اعتمدنا هذا التمشي خاصة في مراجعة (حتى و قتيا) لكل القوانين و التراتيب التي من شأنها أن تعرقل المسار. وأي نجاح سيكون رهينة مدى قدرتنا على تأمين الغذاء لأغلبية المواطنين الذين هم في حاجة و خاصة الذين يشتغلون في القطاع الخاص غير المؤمن و القطاع غير المنظم هذا سيكون التحدي الاجتماعي الأساسي.
التحدي الثاني هو ايجاد الآليات و خاصة الموارد المالية لدعم المؤسسات الصغرى و المتوسطة التي توقف نشاطها كليا في العديد من الحالات و هذا يعني إيجاد حلول و دعم لكل الموظفين و الأجراء الذين سيفقدون شغلهم. حسب تقديرات الأمم المتحدة حوالي نصف مواطن الشغل ستندثر في إفريقيا و بالتالي التحدي جسيم و على الحكومات إيجاد حلول تكون طريفة وتبتكر آليات لمجابهة هذا الوضع الذي سيكون كما ذكرت في البداية اختبارا جدي و عميق لقدرة كل الحكومات و الدول على أنها تحمي مواطنيها في مرحلة أولى من التداعيات الصحية ثم توفر كل الظروف الاقتصادية و الاجتماعية لتمكين النسيج الاقتصادي و الاجتماعي من المقاومة ثم من استئناف النشاط عندما تنتهي هذه الأزمة.
ح.كراولي