واجه أمس النائب مبروك كورشيد و الموقعون من النواب على مبادرته حملة فايسبوكية غير مسبوقة بسبب مشروع ما سماه كورشيد ب”أخلقة الحياة السياسية” و ما سماه نشطاء الفايس بوك ب”تكميم الأفواه” و قد أضطر كورشيد لسحبه بعد موجة “القذف” التي تعرض لها !
كورشيد النائب عن تحيا تونس عن دائرة مدنين و الوزير السابق و القيادي السابق في حركة الشعب كان من النواب المتميزين في أدائهم منذ بداية الدورة النيابية وقد تميز بمداخلات رشيقة ضد الأسلام السياسي و ضد الولاء المحور التركي القطري الذي تقوده حركة النهضة لكنه للأسف فشل في أستثمار هذا الرصيد بتقديم هذه المبادرة التي كانت أولا في غير توقيتها إذ أن الأولويات اليوم هي تكاتف الجهود لمواجهة وباء كورونا وثانيا لأنها تكشف عن فهموعميق لماحدث في تونس منذ 2011 فتونس أصبح فيها فايس بوك هو محور السلطة و المعارضة في آن فقد تخلص التونسيون للأبد من الرقابة و حرية التعبير أصبحت معطى مثل منع تعدد الزوجات ومدنية الدولة و الأختلاط و الحريات و من يقف في وجه هذه الحقيقة إنما يحفر قبره السياسي و نهايته.
و يبدو أن مبروك كورشيد و الموقعون معه الذين فاق عددهم الأربعين (حركة النهضة هي الأقل في عدد التوقيعات لأنها تجيد التشخيص السياسي)- وقد أنسحب عدد منهم من الساعات الأولى لأنطلاق حملة “القذف” – لم ينتبه لهذا المعطى ورغم الديباجة التي صدر بها مبادرته فإن تقديمها هو أستهداف مباشر لحرية التعبير لأن الشبكات الأجتماعية يضبطها القانون الجزائي و هناك فصول واضحة تجرم القذف عبر الشبكة الأجتماعية و الأنترنات بشكل عام و قد صدرت أحكام بالسجن في تونس وفق هذه التهمة و أحكام بالتعويض المالي وبالتالي فماهو الداعي لتقديم مبادرة تشريعية جديدة طالما أن هناك قوانين تحمي الجميع؟!
لقد قام مبروك كورشيد و الذين ساندوا مبادرته بقفزة في المجهول أفقدت مجلس نواب الشعب المزيد من المصداقية فهذا المجلس منذ تنصيبه رافقه سوء الأداء سواء داخل المجلس (شتائم تبادل العنف اللفظي وأحيانا التهديد بالعنف الجسدي…) أو خارج المجلس (آخر الحلقات نائب متهم بالأحتكار في القصرين) و قد ساندت عمادة المحامين نشطاء الفايس بوك لتعمق بذلك عزلة المجلس الذي خسر رصيده من الثقة الشعبية مبكرا!
فالمشروع الذي قدمه كورشيد قد يصلح لبلاد أخرى غير تونس التي خسرت على كل المستويات خلال العشر سنوات الأخيرة بأسم الحرية و الديمقراطية و لا أعتقد أن الشعب التونسي و خاصة الناشطين على الفايس بوك الذين تجاوز عددهم المليون يمكن أن يتنازلوا عن مكسب وحيد دفعوا مقابله الكثير من الأخفاق الأقتصادي و الأجتماعي.