تونس – “الوسط نيوز” – كتب : عبد اللطيف الفراتي
ليس بمعنى العجز المالي و إن كنا إذا استمر الوضع على ما هو عليه، في مأمن من أن تتوقف الدولة عن مواجهة التزاماتها المالية و غير المالية، و لكن بمعنى العجز الكامل عن تأدية واجباتها و القيام بدورها.
منذ ثمانية سنوات و نحن غارقون في وحل لزج، و يمر اليوم موصيا الموالي بأن يكون أتعس، و لذلك فليس من غرابة أن ينحدر أداء السلطة إلى الحضيض، و يضطر البنك المركزي للقيام بتعديل نحو رفع النسبة المديرية لكراء المال للمرة الخامسة، في محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، و لعل الأخطاء التي ارتكبت أكاد أقول عن قصد و سابق إضمار منذ 2011، هي سبب مباشر و متراكم لما هي عليه تونس اليوم، فقد كان تعيين وزير الداخلية الراجحي كارثة و أي كارثة، ثم جاءت استقالة حسين الديماسي من وزارة المالية 6 أشهر بعد تعيينه في جوان 2012 لرفض برنامجه الاصلاحي الذي كان ممكنا اعتماده مباشرة بعد الثورة و في خضمها، ما اضطره لاستقالة لم يكن منها بد لاختلاف كبير مع حكومة النهضة التي اتسمت في تصرفها وقتها بقلة المسؤولية.
وجاءت ثالث الأثافي عندما اتقت النهضة الحاكمة و رافديها الضعيفين مصطفى بن جعفر و منصف المرزوقي على إزاحة مصطفى كمال النابلي من منصب محافظ البنك المركزي، مما قاد البلاد على مدى سنوات على طريق التخبط النقدي، و غياب أي سياسات مالية اقتصادية منطقية للدولة، حتى جيئ بالمحافظ الحالي مروان العباسي، الذي أقدم منذ قدومه على دفع البلاد لتناول دواء مر على جرعات صغيرة، لم تكن كافية لتقويم مسيرتها، أولا بسبب ضعفها و ضعف مردودها، و ثانيا باعتبار أنه لم ترافقها سياسة مالية و لا اقتصادية لدولة ممثلة في الحكومة الحالية، و استقالة من السلطة القائمة، و مطالبات شعبوية فوق الطاقة تجني البلاد اليوم ثمارها الحنظل و ما زالت و لن تزال تجني، لعدم الرغبة – القدرة على اتخاذ القرارات المرة الموجعة التي باتت أكثر من لازمة ، و كل تأخير فيها – و لا يبدو أن هناك حرص على اتباع خطواتها – لا يعني سوى مزيد الغرق في وحل لزج أسود من سواد الوضع الحالي الذي وصلت إليه البلاد، في انتظار مرحلة قد يصل فيها الأمر إلى الاضطرار لا فقط لتجميد المرتبات بل لعل الأسوء من ذلك، و تكف فيه السلطة عن سداد مستحقات مزوديها، و المذاق الأول هو ما شهدته البلاد خلال الأشهر الأخيرة من سياسة القحط و الفقدان و الندرة، و هو مانقطع منذ عشرات السنين.
الانتاج تدنى إلى الأدنى، و قيمة العمل انعدمت و نسب النمو تدهورت، و ما تبع ذلك من انحطاط في الأخلاق، و انصراف عن بذل الجهد مع مطلبية متصاعدة، فانخرمت كل التوازنات و لا يبدو مع استقالة الحكام أن هناك أي أمل في إصلاح الأوضاع.
كل المؤشرات من سوء إلى الأسواء، و التوازنات في المالية العمومية، و في الميزان التجاري، و في إنتاجية العمل، كلها في انحدار و معها الاستثمار و محيط الاستثمار القادر وحده على خلق الثروة، و على توفير مناصب الشغل، و رغم جهود البنك المركزي للترقيع عبر ما يتوفر لديه من وسائل محدودة، في غياب جهد حكومي معدوم منذ ثماني سنوات قاد البلاد إلى الحضيض و ما زال يقودها، و ليست سنة الاستحقاقات الانتخابية هي التي ستشهد تحسنا، بل إن الوعود الديماغوجية هي المسيطرة، و الطوفان قادم، و كل يرمي المسؤولية، الشعب على الحكومة و الحكومة على الشعب، و كلاهما ليس في مسؤولية روح المسؤولية التي عرفتها بلادنا في وقت من الأوقات.