يعتبر السيد محمد الصالح سويلم المدير العام السابق للسياسة النقدية بالبنك المركزي مرجعا و ذاكرة السياسة النقدية في تونس نظرا لخبرته الطويلة و المسؤوليات الهامة التي اضطلع بها.
و على اثر ترفيع البنك المركزي أمس في نسبة الفائدة المديرية ب100 نقطة.
كتب ل“الوسط نيوز” هذا التحليل ألهم الذي يعكس خبرة الرجل و كفاءته الواسعة.
اعلن البنك المركزي التونسي ان مجلس ادارته قرر اثر اجتماعه يوم الثلاثاء 19 فيفري 2019 الترفيع في نسبة الفائدة المديرية ب100 نقطة اساسية لتصبح في مستوى 7,75% مقابل 5% في نهاية 2018.
و يعتبر هذا المستوى الاعلى منذ اكثر من عشرين سنة. هذا الاجراء اثار العديد من الانتقادات لدى العموم باعتبار تاثيراته على كلفة القروض التي تحصلت عليها او التي ستتحصل عليها المؤسسات الاقتصادية و الاشخاص و كذلك الدولة باعتبار ان انعكاسات هذا الاجراء ستؤدي حتما الى ارتفاع نسب الفائدة المتغيرة (TMM) التي تتطبق على المؤسسات و الاشخاص و كذلك على تلك التي تقترض بها الدولة على السوق المالية المحلية.
و تعتبر هذه الانتقادات و المواقف التي عبر عنها الاتحاد التونسي للشغل و العديد من المحللين مقبولة باعتبار ان الاجراءات التي اتخذها البنك المركزي في 2018 و بداية السنة الحالية تعتبر غير مسبوقة في تاريخ تونس منذ الاستقلال، حيث تم الترفيع في نسبة الفائدة المديرية في ثلاث مناسبات متتالية في اقل من اثني عشر شهرا لتنتقل هذه النسبة من 5% في نهاية 2018 الى 7,75% حاليا اي بزيادة 275 نقطة اساسية، و هي زيادات اثرت و ستأثر مستقبلا على كلفة التمويل لكافة المتعاملين الاقتصاديين دون استثناء، و هو ما يهدد ديمومة المؤسسات الاقتصادية و كذلك قدرة الاشخاص على الايفاء بالتزاماتهم المالية تجاه القطاع البنكي.
غير انه وجب الاشارة الى ان هذه الاجراءات تبقى وقتية و يمكن للبنك المركزي التونسي مراجعتها نحو التخفيض في صورة تراجع نسبة التضخم التي بلغت في الفترة الاخيرة اعلى مستواتها منذ 1991.
و السؤال المطروح هنا هو حول افاق تطور الاسعار و امكانية انخفاضها في المستقبل القريب في ظل تواصل انهيار سعر صرف العملة الوطنية و الاثار المرتقبة للزيادة في الاجور التي تم اقرارها مؤخرا و كذلك امكانية الزيادة في اسعار المحروقات خاصة اذا عاودت اسعار البترول الى الارتفاع في الاسواق العالمية.
- هذه هي شروط تراجع البنك المركزي عن الترفيع في نسبة الفائدة المديرية
البنك المركزي التونسي امام وضعية صعبة جدا فهو مطالب بالاساس طبقا لمقتضيات قانونه الاساسي بالمحافظة على استقرار الاسعار و لا يملك من حل لتحقيق ذلك سوى الترفيع في اسعار الفائدة وهو ما يمكن ان يؤثر على كلفة الاستثمار و يؤدي بالتالي الى التاثير سلبا على افاق النمو التي لا تزال هشة.
و من جهة اخرى فان انهيار الدينار يزيد في مخاطر التضخم المستورد بينما يريد في نفس الوقت المحافظة على رصيد احتياطي من العملة الصعبة يعادل او يفوق ثلاثة اشهر من ايام التوريد و هذه في الحقيقة معادلة الصعبة.
و أمام هذا الوضع المعقد لا بد للبنك المركزي ان يختار بين اولويتين فاما تحقيق استقرار الاسعار الذي يتطلب تكثيف التدخلات على سوق الصرف و القبول بمستوى اقل من تسعين يوما من ايام التوريد على مستوى الاحتياطي من العملة الاجنبية و ذلك حتى يحد من الانهيار المتواصل للعملة الوطنية وهو ما سيؤدي حتما الى التحكم في التضخم المستورد و بالتالي في مستوى الاسعار أو ان يبقي الامور على ما هي عليه الان و يقبل بتفاقم المخاطر التضخمية و اللجوء مجددا الى الترفيع في نسب الفائدة المديرية و ما سينتج عن ذلك من تأثيرات سلبية على الاقتصاد ككل.
محمد الصالح سويلم
(المدير العام السابق للسياسة النقدية بالبنك المركزي التونسي)