-
“أنا الآن خائف… و أصبحت خائفا أن أقول أنّني خائف…”
وجّه الدكتور فتحي ليسير أستاذ التاريخ المعاصر و العميد الأسبق لكلية الآداب و العلوم الأنسانية بصفاقس رسالة مفتوحة إلى نبيل بفون أكد فيها أن الأنتخابات لك تكن نزيهة و لا شفّافة و هذا نص الرسالة :
“.. انتهى ماراطون الانتخابات إذن و أسدل الستار على استحقاق ملأ الدنيا و شغل الناس ، فاصل من حياتنا انصرم بحلوه و مرّه و تنفّس التونسيون الصعداء كما يقال بعد أن همدت الأغبرة و خفت اللغط و انحطّ منسوب الاحتقان . نجح من نجح و سقط من سقط.
و لكن ليس للناجحين أن يشتطّوا في فرحهم لأن ما ينتظرهم مكرب غير مبشر بخير، و لا ينبغي للخاسرين أن يقنطوا طويلا أو يرسفوا في الحزن أو يوغلوا فيه لأن الأيام دول بين الناس لا يدوم مسارها و لا مضارها .
و مع هذا فقد انجلى هذا الحدث الوطني الكبير عن خاسر : انه الهيئة العليا المستقلة للانتخابات . و الثابت الآن أن أداء هذه الهيئة قد كان دون الهيئتين السابقتين ( هيئة 2011 برئاسة كمال الجندوبي و هيئة 2014 برئاسة شفيق صرصار ) . و مصداق ذلك كمّ الخروقات و الانتهاكات التي شابت انتخابات 2019 و لا سيما خلال الدور الأول للانتخابات الرئاسية و خلال الانتخابات التشريعية .
انتهاكات و تجاوزات عديدة جدّا ترقى في جزء منها إلى مرتبة الجرائم الانتخابية أشارت إليها و وثقتها آلاف التسجيلات صورة و صوتا. شهادات صدرت عن مواطنين و مراقبين و هيئات ( لا يتطرّق الشك إلى مصداقيتها ) شأن “مراقبون” و “عتيد” و كذا مراقبي الاتحاد العام التونسي للشغل و حتى ملاحظين أجانب.. وكل هذا يستدعي من الهيئة تقديم إفادات و توضيحات مقنعة حول كلّ ما قيل و يقال و ما حفّ بالعملية الانتخابية من مبدئها إلى من منتهاها و الإقلاع عن لغة التعويم و القوالب الجاهزة و لغة الخشب .
و هنا نقول : على السيد نبيل بافون أن يردّ بسرعة و بمنتهى الوضوح والجديّة على تشكيلة الاتهامات و الطعون القويّة التي قدّمها معز الرحموني كاتب عام منظمة “عتيد” و التي مؤداها أن العملية الانتخابية فاسدة من ألفها إلى يائها ما يجعل نتائجها باطلة تماما . عليه إما تسفيه ادعاءات كاتب عام عتيد أو رفع أمره فورا إلى القضاء لأن ما فاه به يهدّد بجديّة السلم الأهلي . نفس كلام معز الرحموني يتقاطع مع ما ذكره ممثلو منظمة “مراقبون” في فرنسا الذين تحدثوا عن فضائح و فظائع في هذا الخصوص . و لربما كان أفضل من لخص ما جرى هذا المقتبس القصير من تدوينة للمواطن التونسي أحمد اليحياوي الذي كتب يقول : ” لقد زوّروا الانتخابات ، فكفّوا عن سبّنا نحن معشر المهاجرين لأننا لا ننتخب فاشلا مرتين (…)لقد زوّروا الانتخابات في كلّ أوروبا …” .
مع العلم هنا أن النائحة الثكلى ليست كالنائحة المستأجرة. هذا دون الحديث طبعا عن ما كتبه و صرّح به سامي سلامة رفيق بافون السابق بالهيئة ( و هو العارف بدخائل الهيئة و دهاليزها ) و الذي كان تقييمه سلبي جدّا للانتخابات الرئاسية في دورها الأول و شدّد على أن الأخطاء الجسيمة ( و العبارة له ) التي ارتكبت خلالها كانت تستدعي إلغاءها واصما أعضاء الهيئة ب “انعدام روح المسؤولية أمام الرهانات المطروحة عليها ( الهيئة ) ، (تدوينة بتاريخ 8/10/2019 ).
و نختم هذه الأمثلة المنتخبة بما صدر صباح الأمس الخميس 17/10/2019 عن شوقي طبيب رئيس هيئة مكافحة الفساد من تقييم سلبي لأداء هيئة الانتخابات معدّدا طائفة من الخروقات و التجاوزات التي ترقي إلى درجة الجرائم الانتخابية كما قال في معرض كلامه عن الانتهاكات التي شابت سير الانتخابات الرئاسية و التشريعية.
لقد بلغ السّفه بالبعض من أعضاء الهيئة إلى الحديث عن مخالفات طفيفة لم تؤثر على جوهر العملية و هذه حسب ادعائهم أشياء تحدث حتىّ في البلدان الراسخة أقامها في الديمقراطية و هذا عين المغالطة بل أنه لا يعدو أن يكون نوعا من تشجيع المخالفين كي يتمادوا في صنيعهم الشائن .
و لنا هنا ملاحظتان :
1 – من العدل القول أن الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية كان أفضل بكثير رغم الغياب اللافت و الملغز للملاحظين و المراقبين في عدد هام جدّا من مكاتب الاقتراع .
2 – لن نذهب حدّ القول يا لضيعة مؤسسة دستورية جرّاء تواضع أداء من أشرفوا على مقدّراتها إطلاقا .
الهيئة مكسب وطني لا بد من صيانة مصداقيتها و تحصين استقلاليتها بانتخاب هيئة جديدة ( و سيطرح هذا على البرلمان القادم في جانفي 2020 ) وفق شروط الكفاءة و الاستقلالية و هي معايير أمست نادرة كالأبلق العقوق تماما في هذا الوقت الكالح . منذ حوالي خمسة أو ستة أيام صرح السيد نبيل بافون أنه لا يعتزم الترشح مجددا لعضوية الهيئة في جانفي القادم ، و انه يفضل الانسحاب من :”الباب الكبير“(كذا) .
و هنا نقول :من الواضح أن قيمة التواضع ليست من خصال الرجل ، هذا أولا ، أما ثانيا فنقول ليس السيد بافون هو الذي يحدّد إن كان خروجه من الباب الكبير أو من أي منفذ آخر فهذا شغل الباحثين الذين سيؤرخون لهذه الحقبة .
أما أنا صاحب هذه الخربشة فعندي رجاء لدى رئيس الهيئة :”سيّد بافون ساعدنا على نسيانك” . حاشية : مناخ ثقيل يجثم على الصدور و النفوس و يجعل أكثر الناس تفاؤلا يقول : ” أنا الآن خائف… و أصبحت خائفا أن أقول أنّني خائف…”.