
تونس -أونيفار نيوز-من الخطأ وصف اللقاء الذي جمع ترامب مع بوتين في ألاسكا «بالتاريخي» .فهو ليس سوى إخفاقٍا أقرب إلى “اللاحدث”. ومع ذلك، فإنّ الرهان من ورائه لم يكن بسيطاً، لانه يتعلّق بمستقبل نظام عالمي محفوفاً بالمخاطر ومن الصعب التنبا بعواقبه.
الثابت من وراء كل هذه التحركات الغامضة في كواليسها أنّ لعبة التحالفات والمحاور التي تنسجها القوى الكبرى تميل إلى الترسخ على حساب القوانين والحقوق.
فما وصف بالحقوق الإنسانية الكونية أصبحت اليوم مهدَّدة أكثر من أي وقت مضى، لاسيما وانها تُنتهك بشكل متواصل باسم مصالح «الكبار».حيث تبلغ الوقاحة مداها لتُبرَّر وتُنهب ثروات الأمم الضعيفة وسط تراجع ملحوظ للدبلوماسية التي حل محلها الخيار العسكري، المتغذّي من التفوق التكنولوجي حاملا عنوان حروب الجيل الخامس…..
ما تؤكده المعطيات بالادلة القاطعة ان النظام العالمي اليوم مريض. ينجرف في دوامة فوضى تفضّل القوة على العدالة، وتنزلق نحو شعبوية خطيرة.
من المفارقات كذلك ان الشعارات المرفوعة باسم السلام والوئام تتزايد وتكتب “بالبونت العريض” والحال انها مجرّد أوهام، مثقلة بالنفاق والمصالح الضيقة. وإلا فكيف يُفهَم سلوك الرئيس الأميركي التاجر الذي يرفع شعارات الحقوق والحريات في حين يتعامل مع غزة كصفقة عقارية، ضاربا عرض الحائط تضحيات ونضالات الشعب الفلسطيني ليستعيد أرضه ووطنه وكرامته؟ وكيف يُفهَم جشع الدول التي تصف نفسها بـ«الديمقراطية» وحنينها إلى أمجاد إمبراطورياتها الزائلة وهي لا تستحي ان تقدم نفسها كوصية على الحقوق والحريات ؟؟؟!!!
يقينا النظام العالمي في صورته الراهنة ينطوي على خطر جسيم يمهد لتغلغل كل أشكال التطرّف الديني والسياسي بما في ذلك التطرّف في صيغته الناعمة “بدون اسلحة ودبابات”…لكنه يبقى فتاكا وقاتلا واقتصادي لأنه لن يكون مكلفا على “الاقوياء”..
ومع كل هذه الجرائم والجراح هناك قاعدة اصولية مهما نهشتها وارهقتها الاستثناءات باقية وتتمدد وهي انه كلما يستشري الظلم، تنتفض الشعوب للمقاومة باشكال مختلفة.وقد تبلغ أحياناً أبعاداً غير متوقعة لم تدخل في حسابات “الكبار”.
والدليل ان هناك حالة يقظة من افيون السرديات التاريخية التي رأكمتها عقلية القوى الاستعمارية لدى الشعوب في نظام عالمي مبني على خيبات واوجاع وجماجم الاخرين .
هذه اليقظة هي بارقة أمل تعلن انه لا يمكن ان تستمر المظالم والجرائم الى ما لا نهاية له وشواهد التاريخ مليئة بالعبر …..
بقلم مصطفى المشاط