
تونس -أونيفار نيوز-
في تصريح لافت، حذّرت جهات رسمية عراقية اليوم من أن وجود ” الحشد الشعبي ” على الأراضي العراقية بات يشكّل بوابة مشرّعة لنفوذٍ إيراني متعاظم، كما يوفّر حاضنة خصبة لعودة الجماعات الإرهابية المتطرفة التي تنمو على تخوم الطائفية والانقسام والولاءات العابرة للحدود.
العراق هذا البلد الشقيق ، رغم تاريخه العريق وموقعه الجيوسياسي، وجد نفسه في فخ مزدوج : دولة تنهكها الفوضى، وقوى موازية تهدّد السيادة وتفتّت القرار الوطني.
غير أن تونس ، وفي مفارقة عجيبة لا تخلو من التحسر و الالم تُقدّم نموذجا استثنائيا لا يشبه إلا نفسه. بلد عظيم بحضارته و تاريخه ، كبير بتناقضاته، نجده يحتضن طيفا واسعا من الكيانات التي، لو ظهرت في بلدٍ آخر، لاعتُبرت تهديدًا للأمن القومي أو تمّ تصنيفها كتنظيمات غير قانونية.
ففي قلب الديمقراطية الوليدة، ينبثق ما يُسمى بـ ” حزب الحشد الشعبي ” بنسخته التونسية و يحصل على ترخيص رسمي ، كيان سياسي يحمل الاسم ذاته الذي يثير الرعب في العراق، ولكن هذه المرة تحت يافطة العمل المدني والسياسي. حضور رمزي؟ ربما.
لكن الدلالة أكبر من الحجم، فهي تشير إلى استيراد صريح لنموذج تعبوي خارجي قائم على منطق الطائفية والولاء العابر للدولة.
وإلى جانبه، يعيش حزب التحرير بلا حرج ، حزب يرفض القبول بالدستور التونسي علنا، ويُكفّر النظام الديمقراطي برمّته، ويعمل جاهدا، من داخل البلاد، على اقامة دولة الخلافة الإسلامية في هذا القرن 21 ، دون أن يُواجه بحلّ قانوني أو مساءلة جدّية. أي مفارقة هذه أن تُمنَح الحماية القانونية لحزب لا يعترف بالدستور الذي يحميه؟
ولعلّ الطامة الكبرى تتمثل في وجود فرع لرابطة علماء المسلمين ، الموصوفة بأنها الواجهة الشرعية للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين تنظيم لطالما اتُّهِم باستخدام الدين كأداة للتمكين السياسي، واللعب على التناقضات الاجتماعية والجهوية لإرباك الدول وتقويض مؤسساتها.
كل هذه الامور تحدث في تونس، قرطاج حنبعل ، و القيروان و الزيتونة و المذهب المالكي السمح و اول دستور في العالم الاسلامي و او مدونة للحقوق الاجتماعية و اول مؤسسة تدافع عن حقوق الانسان بلد الثورة السلمية و جائزة نوبل للحوار الوطني، و نخبها و شبابها الذي حاز إعجاب العالم. لكنّ الإعجاب وحده لا يبني دولة. فالديمقراطية ليست فقط صناديق اقتراع، بل أيضا قدرة على تحصين المشروع الوطني من الانحرافات الدينية، ومن مشاريع التمكين التي تلبس أقنعة متعددة: مقاومة، دعوة، خلافة، أو حتى استثناء .
تونس اليوم أمام مفترق طرق: إما أن تتحوّل إلى ساحة تجريب إضافية لنماذج التمدد العقائدي و الأيديولوجي العابر للحدود، أو أن تعيد تعريف الاستثناء التونسي، لا كفسيفساء من التناقضات الخطيرة، بل كقدرة على التميّز بالعقلانية السياسية، ورفض كل من يسعى لتقويض الدولة الوطنية من داخلها باسم المقدّس أو المقاومة الزائفة.
ابوبكر الصغير