
, حين تسقط الاقنعة عن المعارضة
تونس -أونيفار نيوز–حول تبادل الاتهامات بين اطراف ومكونات سياسية تصف نفسها بالمعارضة اعتبر المحامي والدكتور في القانون حسن الدياب في تصريح “لاونيفار نيوز” ان ما حصل خلال الساعات الأخيرة من تبادل عنيف للاتهامات بين أطراف ما يُسمّى بالمعارضة التونسية، من اتحاد الشغل إلى جبهة الخلاص وشبكة الدفاع عن الحقوق والحريات، ليس مجرد خلاف داخلي عابر. ما جرى كان لحظة فارقة، كشفت – بما لا يدع مجالًا للالتباس – عمق الأزمة التي تعيشها هذه الكيانات، وربما اقتراب نهايتها السياسية إن لم تُراجع جذورها بصدق وجرأة.
أن يصل الخطاب إلى حدّ الشتائم، والتخوين، وتوزيع تهم “الغباء السياسي”، فذلك يعكس فشلًا بنيويًا لا يمكن تبريره بتوترات ظرفية. إننا إزاء قوى عجزت عن إنتاج حدّ أدنى من الانسجام في الرؤية، فضلاً عن غياب الميثاق السياسي الجامع، ناهيك عن انعدام البرنامج البديل القادر على الإقناع أو التعبئة.
جبهة الخلاص، بوصفها التعبير الأبرز عن هذا التكتل، ليست سوى محاولة متأخرة لحركة النهضة لاستعادة زمام المبادرة عبر سردية “الانقلاب”، دون مساءلة نقدية لأدائها السابق أو تقديم أي مضمون جديد يعكس تحولًا في الوعي السياسي أو فهمًا مغايرًا للواقع التونسي. أما الاتحاد العام التونسي للشغل، فقد اختار التموضع بين المسافات، مترددًا بين رفض السلطة الحاكمة وتجنّب الالتصاق بجبهة متآكلة شعبيًا.
لقد تأسس هذا التحالف أصلًا على “ضرورة سياسية”، لا على رؤية وطنية. هو تحالف شكّلته لحظة الخوف من الرئيس قيس سعيّد، لا حلم مشترك في بناء تونس بديلة. وبانتهاء تلك اللحظة، سقط القناع، وانكشف عمق التناقضات بين مكوّناته.
لذلك، فإنّ الدعوات المتكررة لـ”إعادة تنسيق المواقف” أو “إحياء الجبهة” لم تعد سوى محاولات يائسة للتمديد في عمر تجربة انتهت فعليًا. ما هو مطلوب اليوم ليس الترميم، بل القطع الجذري. ليس “إصلاح المعارضة”، بل تجاوزها نحو أفق آخر.
لقد آن أوان التفكير في خطاب سياسي جديد، لا يخرج من مكاتب الأحزاب ولا من قاعات الندوات، بل من عمق الشارع التونسي. من الأجساد المرهقة، من المعطّلين عن العمل، من ضحايا التفاوت الجهوي، من الفئات التي لم تجد لنفسها يومًا صوتًا داخل هذه المعارضة.
تونس اليوم لا تحتاج إلى معارضة “تعارض” فقط، بل إلى بديل حقيقي يطرح مشروعًا واضحًا، متجذرًا في الواقع، متحرّرًا من الحسابات القديمة. بديل لا يكتفي بمهاجمة السلطة، بل يعبّر عن الناس، ويمثّلهم، ويستمع إليهم قبل أن يتحدّث باسمهم.
إن لحظة القطيعة السياسية ليست لحظة ضعف، بل لحظة صدق. وما لم يتم الاعتراف بأنّ بعض الأطر قد استُهلكت بالكامل، فإن المعارضة ستبقى عالقة في دائرة مفرغة: تصرخ ولا تُسمع، تعترض ولا تُقنع، وتنتظر دون أن يُنتظر منها شيئ.