-
الخلافات و الانشقاقات مجرد تلهية و تشتيت للانتباه…
مع اقتراب الانتخابات التشريعية و الرئاسية القادمة تشهد حركة النهضة انشقاقات لافتة لم تعرفها من قبل وصلت الى حد اعلان عدد من القياديين عن مواقف تختلف مع الغنوشي تحديدا.
و يعتبر الاستاذ أنس الشابي احد المختصين في دراسة و متابعة حركة النهضة و التنظيم الاخوانب بصفة عامة و بعد هكذا تطورات تشهدها النهضة خَص الاستاذ الشابي موقعنا “الوسط نيوز” بقراءة و تحليل هام و يعكس الماضي و فهمًا لحركة النهضة و ما تشهده في الفترة الاخيرة خاصة من عصف بثوابت.
تتناقل وسائل الاتصال هذه الأيام أخبارا عن اختلافات قد تصل إلى انشقاقات داخل حزب حركة النهضة قبل الانتخابات التشريعية و الرئاسية القادمة و في تقديري أن تناول هذه المسألة بالدرس يحتاج إلى إيراد مقدمات من شأنها أن تجعل الرؤية واضحة و أكثر دقة و السؤال المركزي الذي يطرح نفسه منذ البداية هل أن حزب حركة النهضة حزب سياسي مدني شأنه شأن باقي الأحزاب من ناحية الانخراط والاختلاف واتخاذ القرار أو أنه نحلة دينية على رأسها شيخ يتصرف فيها وفق ما يرى و دون معقب؟ بالعودة إلى تاريخ الحزب و أدبياته نلحظ:
1) يتم الانتساب إلى الحزب على قاعدة عقدية و ليس على أساس برنامج سياسي، فالذي يجمع بين منتسبيه وثيقة “الرؤية الفكرية و المنهج الأصولي لحركة النهضة التونسية” التي أجيزت في المؤتمر الرابع سنة 1986 المنعقد في المنزه و بقيت هذه الوثيقة هي الأساس و لم يتمّ تغييرها حتى بعد الادعاء بالفصل بين السياسي و الدعوي و مضمونها ليس مضمونا سياسيا بل هو مضمون عقدي يتناول الإيمان بالله و الملائكة و الكتب و الرسل و اليوم الآخر و القضاء و القدر بجانب جزء ثان يبين أسبقية النقل على العقل و من الجدير بالملاحظة أن رئيس الحزب انتقل من الموقع السياسي إلى نقيضه فتبعه القطيع كله و لكنه لما صمت عن مسألة المساواة في الإرث و لم يعبر صراحة عن رفضه ثارت ثائرة جمهوره.
2) لا يتم قبول المترشح إلا بعد المرور بمراحل للتصفية لتختم بالبيعة التي عرفها ابن خلدون في مقدمته كما يلي : “هي العهد على الطاعة ، أي يبايع الأمير على التسليم له و تفويضه في النظر في أمر نفسه و أمور المسلمين لا ينازعه في شئ من ذلك، و يطيعه فيما يكلفه به من الأمر” و هو المعنى نفسه نجده في القانون الأساسي المنشور في كتاب الحريات العامة للدولة الإسلامية طبعة تونس 2011 ص 384 جاء في الفقرة الثالثة من الفصل السادس: ” يؤدي العضو بيعة الالتزام بالولاء و طاعة قيادة الحركة و حفظ أمانتها و بذل الوسع في تحقيق أهدافها و الانضباط إلى نظمها و مناهجها” هذا المعنى حُذف ممّا سُمِّي القانون الأساسي المنشور على صفحة الحركة و البيعة لا تنفصم إلا بالموت و تأملوا مليا حال الذين قيل إنهم خرجوا من الحركة منذ تأسيسها لم ينقض أي واحد منهم البيعة سوى واحد أو اثنين.
3) الذين أطردوا من الحركة في فترات متعاقبة صمتوا و لم يتجرأ أي واحد منهم على التصريح بحقيقة ما جرى بل صمتوا و لم يكن لهم تصرف بعدي كما هو الشأن في الأحزاب المدنية حيث يلجأ الخارجون إلى التجمع و تكوين تنظيم آخر ألا يبهت المرء لما يجد أن الأمين العام للحركة حمادي الجبالي أطرد شر طردة من الحكومة و من حزبه في شارع بورقيبة و لم يخرج معه أي فرد بل بقي وحيدا إلى أن تم استدعاؤه في المؤتمر العاشر.
4) المتأمل في الذين أطردوا من الحركة يلحظ مليا أن سبب الطرد لا علاقة له بالخيارات أو المواقف السياسة فلو كان الأمر كذلك لوجدنا أوراقا نقدية و رؤى مختلفة و الحال أن الحزب جميعه يسير وراء زعيمه أنّى توجّه و مهما تضاربت مواقفه و أمامكم خط سيره في 8 سنوات الماضي و انتقاله من الموقع إلى ضده.
5) الاختلافات التي تظهر في بعض الأحيان سابقا و الآن سببها التموقع داخل الحركة و لا علاقة لها بتسييرها أو قيادتها و أمامكم آخر ثلاثة أظهروا غضبا إنما كان ذلك بسبب الترشح و الموقع في القائمة و حتى ما سمي انشقاق جماعة اليسار الإسلامي فلم يكن لسبب فكري كما روّج لذلك الجورشي و النيفر و صدّقهم بُلَّه اليسار إنما السبب الأساسي أن الاثنين دبّرا انقلابا للاستحواذ على مكتب العاصمة و هو أهم و أكبر جزء في التنظيم فتفطن لهما الغنوشي و هو خريج مدرسة البعث الانقلابية فحلّ المكتب و أطردهما شرّ طردة بأن أحالهما إلى لجنة ترأسها مورو للبحث في الموضوع لم تتم أشغالها إلى اليوم.
6) مصادر القوة و النفوذ داخل الحركة جميعها بيد الغنوشي و أقصد بذلك:
– الأموال التي يتصرف فيها رئيس الحركة فليس هنالك أمين مال ينتخب من المؤتمر و يكون عضوا قياديا بل يتم انتخاب هيئة من مجلس الشورى و هي هيئة للتدقيق والرقابة و ليس للتصرف.
– العلاقات الخارجية جميعها في يد رئيس الحركة ول احظوا جيدا أن مقابلاته و رحلاته جميعها يصاحبه فيها صهره بوشلاكة.
– الانتماء العائلي و الجهوي و اللافت للنظر أن هذا الحزب تحكمه دوائر ثلاثة الأولى هي دائرة العائلة و الثانية الجهة و الثالثة الذين ثبت ولاؤهم و طاعتهم المطلقة للمرشد أو الشيخ أو رئيس الحركة أما ما تبقى فدورهم لا يتجاوز تأثيث المشهد.
7) ما ظهر من امتعاض لن يتجاوز الحلق إذ سبق أن قال الغنوشي لمن صنع مثل هؤلاء “براو أعملوا حزب على أرواحكم” و تجربة الشعيبي ماثلة.
لكل ما ذكر أعلاه أعتبر أن الحديث عن خلاف و انشقاق في حزب الحركة مجرد كلام للتلهية و تشتيت الانتباه تماما كقولهم إن الغنوشي سيترشح في التشريعية و هو أمر لن يقدم عليه خشية السقوط، فحزب حركة النهضة نحلة دينية تقوم على أساس عائلي وجهوي لهذا السبب بالذات بقيت ممتنعة عن الشقوق و توابعها.