مع اقتراب تقديم الترشٌحات للأنتخابات التشريعية بدأت رياح الخلافات تعصف بحركة النهضة التي كانت الى وقت قريب مصنفة كتنظيم حديدي ! فإعلان حمادي الجبالي ترشٌحه للأنتخابات الرئاسية من خارج الحركة ستكون له تداعياته فعدد كبير من القواعد يساندونه بأعتباره “رجلا صلبا” لم “يتورط” في التوافقات مع أعداء الحركة على عكس راشد الغنوشي الذي “باع” الحركة لقوى محلية و اقليمية و دولية خاصة من خلال ما أبداه من مواقف مرنة في عدد من القضايا التي تعتبرها قواعد الحركة خطوط حمراء.
و لكن الأختيار الكبير الذي تعيشه الحركة اليوم هو مقاييس أختيار أعضاء القائمات الأنتخابية فالعملية الأنتخابية التي أجرتها الحركة لأختيار مرشحيها تبيٌن انها عملية شكلية و هذا ما كشفه عبد اللطيف المكي الذي أراد الترشٌح في أحدى دوائر تونس لكنٌه أصطدم برفض زعيم الحركة وقد كتب رسالة مفتوحة عبر من خلالها على مرارة كبيرة و أعتبر ترشيحه في الكاف إبعادا له ليتولى الغنوشي رئاسة قائمة تونس 1 في خطوة مفاجئة رغم أنٌه لم يشارك في الأنتخابات كما تم أبعاد بعض القياديين الأخرين مثل سيد الفرجاني و عبد الحميد الجلاصي و زوجته منية أبراهيم و أضطر لطفي زيتون الى الإستقالة من منصبه كمستشار لرئيس الحركة !
و لعلها المرة الأولى في تاريخ حركة النهضة منذ أن تأسست كجماعة أسلامية في أواخر الستينات تظهر خلافاتها الى العلن فالواضح أن الغنوشي بدأ يفكٌر في زعامته الشخصية بضغط من عائلته و المقربين منه الذين كانوا يرغبون في ترشيحه لرئاسة الجمهورية لكن لأنهم يعلمون أن ذلك شبه مَستحيل فغيروا الوجهة نحو التشريعية ليتمكن من رئاسة مجلس نوٌاب الشعب وليكون أحد الرؤساء الثلاثة !
و مع أقتراب الموعد الأنتخابي تزداد حدة الخلافات فالغنوشي يريد تشريك نساء غير متحجبات كرسالة للغرب على مدنية الحركة وقطعها مع الأخوان المسلمين الذي يعد الخمار من شروطهم الاساسية في الانتماء للتنظيم كما يريد تشريك بعض الوجوه من خارج الحركة و هو ما يرفضه عدد كبير من قواعد و قيادات الحركة و خاصة القيادات الوسطى الذين يعتبرون الترشٌح لمجلس نوٌاب الشعب و حصولهم على وظائف عليا في الدولة شكلا من أشكال التعويض عن سنوات السٌجن و التتبعات الأمنية و الحرمان من العمل !
فالحركة التي كانت الى وقت قريب بمثابة التنظيم الحديدي الذي يتحكٌم فيه الغنوشي في كل شيء لم تعد بنفس الصلابة مع تزايد نفوذ عائلة الغنوشي و خاصة أبنه معاذ و زوجته سمية وزوجها رفيق عبد السلام بوشلاكة و رئيس مجلس الشورى عبد الكريم الهاروني الذي أنحاز للغنوشي بعد أن تأكد أنٌه الوحيد الذي يملك مفاتيح الحل و الربط و كل من خرج عن الحركة أنتهى سياسيا و حتى الأحزاب التي تأسست من رحمها مثل حركة البناء الوطني التي أسٌسها رياض الشعيبي القيادي السابق الذي شغل خطٌة الناطق الرسمي و لم يعد أحد يسمع به و كذلك حمادي الجبالي .
و لكن مع أتساع عدد المتمردين على سلطة الغنوشي يبدو ان وضع الحركة لن يبقى على ما كان عليه سابقا. فهل تنتهي الأنتخابات بتصدع كبير للحركة التي حافظت على تماسكها حتى في عهد بن علي و مرحلة العمل السري و لكن يبدو أن الغد لن يكون كالأمس و لن تبقى حركة النهضة على ما كانت عليه و حتى انتخابات بلدية باردو كانت في الحقيقة هزيمة للحركة و ليس أنتصارا.
فإن يكون راشد الغنوشي هو الحاكم الوحيد لأنه يملك المال و الملفات فهذا يبدو أنٌه سيُصبِح من الماضي و المؤتمر القادم في سنة 2020 قد يكون بداية مرحلة جديدة في تاريخ تونس و في تاريخ الحركات الأسلامية.