كتب المسرحي منير العرقي مدير إدارة المسرح و الفنون الركحية مقالا جميلا عن عرض بحيرة البجع للفنان التونسي المقيم في إيطاليا رضوان المدب هذا نصٌه:
لا موسيقى معلنة عن بدء العرض ..
أنت تترقب ، لا شيء يحدث ..
ثم تلمح أطياف أجساد ، تراها تدخل في ايقاع غير طبيعي ، لا هو سريع سرعة التحول من نقطة لاخرى لقضاء شان دنيوي ولا هو بطيئ بطئ الاداء المقصود المتعمّد ، انه المشابه للطبيعي و ما هو بطبيعي، تنقّل في استعراض للابدان وما تحوي من شخوص ، مشي مشحون بروح درامية عالية ، لا صوت ، لا موسيقى فقط أجساد تحوي أرواحا ضاجة ، طاقة هادئة …
فتيان ، كلهم فتيان بأجساد منحوتة شبه عارية ، تلمح من تعتقد أنه قائدهم لاهتمام البقية به، لالتفافهم حوله ولكن سرعان ما يتبخر ما ذهبت اليه من فهم لتلحظ أحدهم يجذب اهتماما متزايدا ، وهكذا من قائد لقائد لمجموعة تلو مجموعة ثانية ..
تقتحم فتاة الفضاء القفر الخالي من ديكورات تحس و كأنك في ركح مجاور لركح قاعة العرض ، لا عناصر ديكور و متممات الا ملابس بيضاء معلقة ، ملابس هي في الحقيقة الازياء النسائية للرقص الكلاسيكي ، و شيء من الدنتيل معلق في الخلفية كغيمة بيضاء … تحتل الفتاة المكان و تتبعها أخرى فأخرى تتقاسمن الاهتمام ، الى ان تبدأ الحركة و الاشارة تحس و كأنه درس لرقص بالي كلاسيكي، كأنه تدريب جماعي للوحة ما تتشكل أمامك حركة حركة خطوة خطوة الى أن تتسارع الخطى و تتجانس الحركات لتصبح لوحة جماعية كما دأبت أن ترى مشهدا من بالي ما ، عندها فقط حين يكتمل الفعل الجماعي و تحلّق جميع الأجساد في الهواء، و تقول في نفسك ، الآن سيرقصون ، عندها تتوقف الحركة و يعم الصمت …
هكذا ابتدأ عرض بحيرة البجع لرضوان المدب في اختتام مهرجان قرطاج الكوريغرافي ، صمت و موسيقى حركة و توقف اشارة و قفز و سقوط و نهوض و تدحرج و دخول و خروج… أجساد ممغنطة تشع طاقة و رغبة تلتصق ببعض و تلتحم تنازع قدرية الخرافة تموت و تحيى كلما دنا الحبيب من حبيبته تصحو و تتلألأ تحكي تشير تغضب و تفرح تؤدي أداء دراميا جادا اداء خفيفا موقعا اداء يوجه فيه التحديق في الاخر و النظر للغير رأي المتفرج و فهمه للحكاية معتمدا على الشيفرات المبثوثة هنا و هناك كمفردات للعرض و تدفعك دفعا لتشكل معنى للّوحة الحركية …
بحيرة البجع حضرتها أبدان راقصين شغوفين لم يهملوا تعابير الوجه ، راقصين تخلوا عن ملابس الرقص الكلاسيكي كما تخلوا عن أحذية الرقص كما تخلت القاعة عن “ثريا كريستال” ثريا عظيمة منطفئة تكاد لا ترى في آخر الخلفية .. حضورها الغائب دال يحيلنا الى مرجعية انتمائها لقصر ملكي أرستوقراطي،
هكذا أراد رضوان المدب بحيرة بجعه ، معاصرة ، قاطعا مع كلاسيكيتها بالرغم من استعماله لخطوات و تقنيات البالي … عرض جريء مليئ بالحب .