-
” براءة” في مجتمع يفتقر للبراءة..
“براءة “عنوان مسلسل تلفزي تونسي رمضاني شد الانتباه واسال الكثير من الحبر على مواقع التواصل الاجتماعي وعلى أعمدة الصحافة المكتوبة كما اثار الكثر من الجدل في مختلف المنابر التلفزية والاذاعية ( خمس ملايين من المشاهدين تابعوا هذا المسلسل حسب صاحب قناة الحوار.
“براءة” عمل فني جريء ، بجمعه المتقن بين السيناريو والإخراج واختيار الشخصيات . في قراءة مغايرة تمزق اسوارالمألوف قراءة في تركيبتها الفنية ما يجعل منها ” صفعة كهربائية” لفئات عديدة من مختلف الشرائح الاجتماعية التي تحمل في ذاتها ثقافة ازدواجية المسماة في نظرية العلاج النفسي ” ثقافة ثنائية القطب” “bipolarité culturelle ” والتي تتمحور حول الوجود والظهور ” l’être et le paraitre ” وهو سلوك اجتماعي غير سليم ان لم نقل سلوك اجتماعي مرضي لما فيه من اختلال في البنية الذاتية ، اذ هو سلوك عديم الثبات في الروئ والمواقف حيث يستمد خصوصياته من معادلة équation تتجاذبها وتتقاذفها أمواج المرجعيات الدينية والعرفية من جهة والحقوق والحريات المدنية من جهة أخرى .
فسيناريو “براءة” حسب ضننا المتواضع لم يكن صياغة من وحي الخيال بل هو حقيقة في مجتمع تعود على طمس الحقائق والتستر على الظواهر تحت اغطية الدين والأعراف وبحماية من الوعي الجماعي.
” conscience collective ” او ما يسمى ” بالاجماع الاجتماعي ” consensus social ” والذي يستمد قوته وسلطانه من موروث ثقافي ذكوري البنية والاسس ، لا ولن تزعزع كيانه وهيمنته لا الحقوق المدنية المكتسبة ولا الأساليب العلاجية المعهودة ، اذ هو موروث كثيرا ما يزج بالذات الإنسانية وبالمجتمع ككل في خانة النفاق في التعامل مع الظواهر الاجتماعية كـ:
( الزواج العرفي : 1787 قضية زواج عرفي لسنة 2021 ، المثلية
، الأمهات العازبات ، التسري concubinage والعذرية …)
أي كل ما يحوم حول الجنس والملاذ الجنسية .
يبدو لي من خلال هذه القراءة المتواضعة والعابرة ، ان الانتقادات اللاذعة والتهجم المفرط أحيانا عبر شبكات التواصل الاجتماعي او حتى في بعض المنابر الاذاعية والتلفزية بقدر ما هو مشروع في اطارحريات الراي المكتسبة دستوريا وبقدر ما هو يعكس صورة حقيقية لمجتمع :
– ثنائي القطب ثقافيا
” société culturellement bipolaire”
– رهين موروث ثقافي ذكوري البنية والاسس
– متضلع في ممارسة العنف الرمزي الذي عادة ما يغذي ويخلد على مر الأجيال عنفا تسلطي باشكال متنوعة
فهذا المجتمع الذي يفتقر لبذور البراءة لا يقدر فك لغز انفصامه وتذبذبه حتى “فرويد Freud ” بما لديه من مفاهيم علمية وعلاجية في علم النفس التحليلي
” براءة ” حسب راينا المتواضع مسلسل جريء وبريء من تهجم شرائح اجتماعية اعتادت التستر على الظواهر الاجتماعية وطمس الحقائق المدمرة للذات البشرية بدعمها وبتخليدها لثقافة العنف الرمزي المسلط على أبرياء قصر كانوا ذكورا او اناثا في زمن حقوق وحريات منسوخة دستوريا لا تزال قابعة امام موروث ثقافي ذكوري البنية والاسس في هيمنة متواصلة .
شكرا للمبدعين ، شكرا للناقدين على مختلف انواعهم ، تلك هي الثقافة وذلك هو المسار الديمقراطي الداعم للحريات
مختص في علم الاجتماع، *