مرّة أخرى يتأكد الشارع التونسي أن حركة النهضة ليست قوية إلا بتشتت القوى المدنية المؤمنة بالجمهورية ضد الدولة الدينية التي تعمل حركة النهضة وحلفائها من نوع حزب التحرير و حزب الرحمة وأئتلاف الكرامة على تأسيسها لتكون بديلا عن الدولة الوطنية التي تحفظ الحريات الفردية و المواطنة ضد مجتمع الرعية والمرشد والأمام الذي تصبح فيه الزكاة من شعيرة دينية إلى برنامج أقتصادي للتغطية على غياب العدالة الأجتماعية و المشاريع الأقتصادية التي تحقق الثروة والتنمية.
فإزاحة الغنوشي من رئاسة مجلس نواب الشعب لها رمزية كبيرة وقد حققت القوى المدنية 97صوتا وكانت تحتاج 12صوتا فقط في الوقت الذي ضاع فيه عشرون صوتا يعني ان الذين يرفضون رئاسة الغنوشي لمجلس نواب الشعب هم 127 نائب ولولا العمى السياسي ومرض وهم الزعامة لألتقى كل هؤلاء النواب لوضع حد لهيمنة حركة النهضة على البلاد فتونس هي البلد الوحيد في العالم الذي حقق منذ الأستقلال مكاسب حداثية كبيرة مثل أعلان الجمهورية مجلة الأحوال الشخصية حق المرأة في الأجهاض والأنجاب خارج أطار الزواج تصبح فيه القوى التي تتبنى مشروعا مغايرا لكل هذه المكاسب الحداثية وتتبنى مشروع الدولة الدينية هي الحاكم الفعلي والمؤسف أن حركة النهضة بمشروعها المعادي للحريات والنظام الجمهوري تتحكم في البلاد ب5 بالمائة فقط من الناخبين إذ لم تحقق في أنتخابات اكثر من 400الف صوتا من القاعدة الأنتخابية التي تضم ثمانية ملايين تونسي مسجلين لدى الهيئة العليا للأنتخابات.
الثابت أن البلاد تتجه إلى أنتخابات سابقة لأوانها لأن التعايش بين مجلس نواب الشعب الحالي والرئيس قيس سعيد أصبح شبه مستحيل وسيكون هنتك تصادم بين حكومة الرئيس الجديدة التي يرأسها هشام المشيشي مع مجلس نواب الشعب أمرا حتميا خاصة مع عزم المشيشي على تجاوز الأحزاب و عزلها.
و لكن إذا تم حل مجلس نواب الشعب وتنظيم أنتخابات سابقة لأوانها دون أن تتحد القوى المدنية في جبهة موحدة فسيتكرر نفس السيناريو فلا توجد خلافات كبرى بين 97نائبا الذين صوتوا على سحب الثقة من زعيم حركة ويمكن أن يشكل هؤلاء نواة لتحالف واسع يكون سندا للحكومة وتعود حركة النهضة إلى حجمها الحقيقي.
فحركة النهضة تروج منذ يوم أمس إلى أنها أنتصرت بعد فشل سحب الثقة من الغنوشي لكنه أنتصار وهمي لأن الذين ساندوا الغنوشي 16فقط والبقية أما تغيبوا- و في هذا موقف بما فيهم نواب النهضة الذين قد تكون لهم تحفظات على الغنوشي المتهم بالاستفراد بالرأي وتقريب صهره وأبنه معاذ والمقربين منه وهي أتهامات من داخل النهضة الأكيد أن لها أصداء داخل الكتلة – او لم يصوتوا لصالح بقائه و عددهم عشرين نائبا ولابد من قراءة هذه المعطيات جيدا فالغنوشي لم ينتصر ونصف مجلس نواب الشعب يرفضه وهذا لم يحدث لأي رئيس مجلس منذ أعلان الجمهورية.
اليوم تمنح المعطيات السياسية للقوى المدنية الديمقراطية فرصة لإنهاء الأسلام السياسي عبر الصندوق فهل تتخلى الأحزاب الديمقراطية والمسماة بالوسطية عن أوهامها ؟