و آخر تلك البالونات الملوّنة التّصريح الّذي أعلن فيه الغنّوشيّ أنّ حركته قد تساند ترشّح يوسف الشّاهد للانتخابات الرّئاسيّة.
و يعني اللّعب النّهضويّ ضمن هذه المنطقة الرّماديّة من ناحية أنّ السّياسة في قاموس الحركة المشفّر و خصوصا عند المرشد الغنّوشيّ لا تعدو أن تكون تعمية و خلطا للأوراق قصد فتح الباب أمام ممكنات سياسيّة متعدّدة و مرنة تتيح للحركة اللّعب السّياسيّ و تحسين وضعها في ’’اللّعبة‘‘ و تعمّي الآخرين عن تكتيكها السّياسيّ، خصوصا في المحطّات الحاسمة و المآزق و الهزّات الكبرى و هو امر تتقنه الحركة إتقانا كبيرا و له جذور إيديولوجيّة راسخة في عقيدتها الإخوانيّة القائمة على ’’لعبة‘‘ التّمكين و لكنّه يحمل من ناحية ثانية تهديدا مبطّنا للآخرين بوجود تلك الممكنات و تلويحا بأن مصير الحركة السّياسيّ ليس مرتبطا بهذا الطّرف أو ذاك و خصوصا بالشّيخ الآخر : الباجي قائد السّبسيّ.
و هنا تأتي السّمة الثّانية المميّزة لخطاب السياسيّ النّهضويّ و هي سمة الابتزاز السياسيّ.
الغنّوشيّ يعرف أنّ السّبسيّ يوشك على الخروج من المشهد و لن ينقذه سوى تحالف آخر لحظة مع النّهضة أو التخلّي عن الابن و ربّما الأب نفسة و الارتماء في أحضان عبير موسي.
و لذلك يلعب أوراق الابتزاز و يمارس لعبة التّعمية و خلط الأوراق للتّهيئة لصيغة توافق ثانية تحافظ على الوضع الحالي و تعمّق شكليّة منصب الرّئيس و تفتح الباب أمام المرحلة الثّالثة من التّمكين للحركة و إغلاق الملفّات إغلاقا نهائيّا.
و هنا يسهل على الغنّوشيّ إطلاق التّصريعات و إلقاء بالونات الاختبار هنا و هناك و مع كلّ بالون يحقّق أهدافا او هدفا يعبّد الطّريق أمام الاستمرار في الحكم و المحافظة على الموقع الإخواني الوحيد الباقي في المنطقة.
و أنا أرى أنّ ضحايا لعبة المحتمل الغنّوشيّة لن يكونوا قليلين، فأوّلهم قيس سعيد الّذي احترقت أصابعه بلعنة الشّيخ منذ البداية، فمن ستكون الورقة المحترقة القادمة ؟ أنا أرجّح أن تكون يوسف الشّاهد.
و من الجليّ أنّ عيون الغنّوشيّ و هو يرقص على حبال السّياسة مستغلاّ ضعف الآخرين و خصوصا انتهازيّتهم المقيتة و تفتّتهم و جموحهم الغريب نحو كراسي الحكم الوثيرة على التجمّعيّة الرّافضة لكلّ صيغة التقاء مع النّهضة عبير موسي و على انقلاب ممكن في مواقف الجمهور من أحزاب ’’الثّورة‘‘ قد يمهّد الطّريقة أمام وريثة ابن علي.
فهل تحترق أصابع الغنّوشي بنيران لعبته المحبّذة ؟
الدكتور علي العمري