أحتضن مساء أمس قصر بلدية دار شعبان الفهري حفلا فنيا في خرق كامل لحظر الجولان الذي أعلنه رئيس الجمهورية قيس سعيد و خرق الحجر الصحي الذي قررته رئاسة الحكومة و قبل يومين تبرأ رئيس بلدية منوبة من مسؤوليته في غلق المحلات التجارية بداية من منتصف النهار و قبل أيام حذّر رئيس الجمهورية رؤساء البلديات الذين يتخذون قرارات أحادية مؤكدا أن هناك سلطة مركزية واحدة رغم أن الدستور أقر السلطة المحلية ورد عليه أنذاك رئيس بلدية تطاوين!
هذا التنازع على السلطات يكشف عورات و ثغرات دستور الترويكا و تحديدا حركة النهضة الذي سماه مصطفى بن جعفر بأحسن دستور في العالم فتونس بلد صغير و لا يتجاوز حجمها ولاية في بلدان أخرى شاسعة المساحة و لا تحتاج إلى هذه السلطة المحلية في مستوى المبدأ ثم أن إمكانيات البلاد ضعيفة و متواضعة و غير قادرة على تمويل بلديات ليست لها موارد ولا مناطق صناعية ولا سياحية و لا أسواق كبرى و لا عقارات و نذكر مثال ذلك بلدية رجيم معتوق مثلا في أقصى الصحراء وبلديات أخرى تم أستحداثها بسبب تطبيق السلطة المحلية دون توفر الشروط فقط لمجرد تطبيق الدستور الذي يبدو أنه في بعض فصوله وخاصة السلطة المحلية قد كتب لبلدان مثل السويد مثلا.
ثغرات دستور حركة النهضة ليست في السلطة المحلية فقط – قريبا سنرى مجالس جهوية منتخبة – بل في أبواب أخرى كثيرة منها النظام السياسي فقد تعالت الأصوات على ضرورة العودة للنظام الرئاسي والقطع مع النظام السياسي الحالي الذي يمكن تلخيصه في كلمة كلنا نحكم و لا أحد يحكم!
فنظام الرؤساء الثلاثة الذي تم تطبيقه في العراق بتعليمات من الحاكم الأمريكي أنذاك بول بريمر هدفه خلق نظام ضعيف غير قادر على المبادرة ولا على تطبيق القانون من ٨لال تداخل السلطات بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة و رئيس مجلس نواب الشعب.
فالنظام السياسي التونسي لا هو برلماني و لا رئاسي ومن المفارقات العجيبة فيه أن رئيس الحكومة غير المنتخب يملك صلاحيات تنفيذية أكثر من رئيس الجمهورية المنتخب فلوكان النظام برلماني لكانت كل السلطات بما فيها الدفاع والامن القومي و الخارجية عند رئيس الحكومة والمجلس يحاسبه و يقيله و لكن هذا غير موجود في تونس ذلك أن الخارجية مثلا تتم بالتشاور مع رئيس الحكومة و كذلك الداخلية!
لقد كان الذهاب إلى مجلس تأسيسي خطأ ثورجيا ضيع على البلاد الكثير من الوقت ومنح السلطة للهواة والحاقدين وكان من الأفضل إصلاح دستور 59 و خاصة في باب الأنتخابات وبعض الأبواب الأخرى ولكن يبدو أنه كان لابد من هذا المسار حتى نصفق لأحسن دستور في العالم و للديمقراطية الناشئة التي أبهرت العالم و ليمت الشعب التونسي جوعا!