تونس -اونيفار نيوز-كشف الكاتب والناشط السياسي محمد علي العماري في تصريح لاونيفار نيوز مجموعة من المعطيات الهامة في علاقة بملف اغتيال حشاد الأمين العام لاتحاد العام التونسي للشغل والعضو السري بالديوان السياسي للحزب الدستوري الجديد المتزعم للحركة الوطنيّة.
واكد ان الإدارة الفرنسية كانت تصنف الزعيم فرحات حشاد بالخطير وذلك:
لتحصّنه بالحصانة النقابية الدولية وخاصة الأمريكية حيث وفرت له حرية التحرك وخولت له القيام بعديد المهام الوطنية من خلال اتصالاته مع المنظمات الدولية وبالخصوص النقابات الأمريكية والكونفدرالية الدولية للنقابات الحرة ( سيزل). يقول المرحوم الباهي الأدغم في رسالة إلى أحمد بن صالح سنة 1953 :” بينما الديمقراطيون في الولايات المتحدة الأمريكية مترددون في دعمنا، فإن الجمهوريين قد سلّمونا بالكامل للاستعمار الفرنسي، وهذه ضربة قاتلة لسياسة حزبنا ومذهبه (تجاه السياسة الأمريكية) التي يتبناها سي الحبيب بكل شجاعة ونزاهة. نحن ذهبنا إلى الأقصى في ذلك بكل صدق إلى غاية إغضاب أصدقائنا في مجموعة الإفريقي ـ أسيوية في الأمم المتحدة. ففرحات قد دفع حياته ثمنا ووفاء لهذا التقارب. فالذي اغتيل ليس فرحات النقابي، ولكنه فرحات الأمريكي..”
ثانيا قربه من الاسرة المالكة وعضويته في مجلس الأربعين الذي كونه الباي باقتراح من حشاد نفسه وأعضاء الديوان السياسي للحزب الدستوري الجديد للنظر في “الإصلاحات” المقترحة من الإدارة الفرنسية.
هذه الأخيرة حملت فرحات حشاد نتيجة رفض الباي لهذه الإقتراحات، وهي “إصلاحات” تكرس بكل وضوح الهيمنة الاستعمارية. إذ أنه كان المستشار المسموع لدى الباي أي أن حشاد كان له الفضل إلى حد كبير في إقناع الباي بضرورة القضية الوطنية وتثبيت صموده في رفض مشروع الإصلاحات الفرنسية من خلال مكانته المرموقة في مجلس الأربعين. فحشاد كان له تأثير كبير على محمد الامين باي، ولا أدل على ذلك من استسلام هذا الأخير لأوامر المقيم العام بعد اغتيال الشهيد بأسبوعين، وذلك بالإمضاء على أمر تنظيم انتخابات بلدية وفق الشروط الاستعمارية.
فكل الادلة تؤكد ان حشاد دفع ثمن تأثيره على الباي فيما يخص تدويل القضية التونسية ورفع شكوى من الحكومة التونسية ضد الدولة الفرنسية. ولو أن هذه الخطة لم تكن محل إجماع بينه وبين بورقيبة الذي كان محترزا من “دسترة” محمد الأمين باي وإقحامه في المقاومة السياسية.حيث كان يعتبر أن المراهنة على الأمين خاسرة لقناعته بأن هذا الأخير جبان لا يستطيع الثبات أمام تهديدات المقيم العام.
والخلاصة، مهما يكن من أمر فالجريمة قد وقعت بعلم من الدولة الفرنسية التي تتحمل مسؤوليتها كاملة في التدبير والتستر على المجرمين القتلة سواء كان ذلك بالمشاركة السلبية حيث أنها كانت تعلم بالجريمة ولم تعمل على منعها، أو بالتواطئ المفضوح، وذلك من خلال تقاطعات كثير من الشهادات من صحفيين وشخصيات من النخبة الفرنسية ذاتها بأن المسؤولية في الجريمة سواء كانت تخطيطا أو إعدادا ماديا أو تنفيذا أو سكوتا مخلا أو تواطؤا مفضوحا. هذه المسؤولية يتحملها كل من رئيس الجمهورية “فنسان اوريول ” ووزير دفاعه “روني بليفان” ووزراء الخارجية “روبير شومان” والداخلية “شارل برون” ورئيس الحكومة “انطوان بيناي” وهم كلّهم من الاشتراكيين. (الوجه الثاني الاستعماري الناعم). أما المسؤولية المباشرة في الجريمة ترجع للمقيم العام “دي هوت كلوك” الذي كان على علم بساعة التنفيذ، قد عمد إلى مغادرة تونس يوم 4 ديسمبر حتى يُبعد عن نفسه شبهة العلم والتواطؤ. أما من الجانب التونسي فكان الوزير الأكبر للباي صلاح الدين البكوش، وذلك من خلال ما ضبط من مراسلات بينه وبين نظيره الفرنسي “بيناي” تحرض على حشاد بحكم مكانته المتميزة عند الباي.. كما يؤكد هذه التهمة ما رواه بعد ذلك المقيم العام نفسه “دي هوت كلوك” فيما يخص إحدى الوشايات التي تلقاها من صلاح الدين البكوش في معرض حديثه عن الزعيم حشاد الذي أصبح حسب هذا الأخير ذا تأثير أكثر فأكثر على سياسة العرش، وأصبح ” منفوخا” بما له من جرأة غير مسبوقة بفضل اتصالاته بالخارج وبما يأتيه من أخبار من نيويورك (من الباهي لدغم رئيس مكتب الحركة التونسية). كما يقول أيضا “كلوك” بأن البكوش نقل له من خلال ما بلغه من القصر بان الباي يعتزم اعتقال البكوش والوزراء يوم 4 ديسمبر بمناسبة عيد العرش، ووضع نفسه تحت الوصاية الأممية وذلك باقتراح وتأثير من حشاد.
فالجريمة كانت جريمة دولة بكل المقاييس وعصابات اليد الحمراء هي صنيعة الدولة وليست خارجة عنها مثلما يزعم مسؤولو الدولة الفرنسيّة. فيكفي أن المقيم العام الذي يمثل الدولة الفرنسية التمثيل الأول في الإيالة التونسية كان شريكا في الجريمة. وذلك بعلمه بساعة التنفيذ كما أسلفنا، ومعرفته أيضا للمجرمين الذين أعلموه بساعة التنفيذ والهدف كما يرويه عن نفسه.
يبقى السؤال متى ستفتح الدولة التونسية ملف اغتيال فرحات حشاد وغيره من ضحايا ارهاب الاحتلال امام المحاكم الدولية وكشف المجرمين؟ للاسف هذا الملف بقي متسترا عليه من طرف حكومات الاستقلال لا ندري أن كان قصدا أو عجزا .. وبقي الاكتفاء بإحياء ذكرى اغتياله.. لنردد كل مرة كان حشاد زعيما ومات شهيدا.