-
الشاهد أكثر رئيس حكومة وظف الديوانة في معاركه السياسية
-
هذه حقيقة التفتيش الدقيق لحافظ قايد السبسي و ابتزاز رجال الأعمال
منذ سنة 2011 و الديوانة التونسية تتعرض إلى نفس الأسلوب الغريب في التعاطي معها رغم العدد الهائل للحكومات المتعاقبة و رغم الاختلافات الإيديولوجية و السياسية بينها ، و ذلك منذ حكومة السيد محمد الغنوشي و التي لا يمكن اعتبارها سوى امتداد نوعي للنظام السابق المترنح و الذي سعى إلى امتصاص غضب الجماهير الثائرة حينها كمحاولة منه للحفاظ على ما أمكن من البقية الباقية من عناصر بقائه مما جعله يذهب إلى إحالة 18 ضابطا بالديوانة على التقاعد الوجوبي دون توضيح يذكر ، بل موحيا بأنهم ” فاسدون “، و على انه بصدد مكافحة ” الفساد ” ، و كذلك فعلت حكومة الترويكا برئاسة السيد حمادي الجبالي و الذي قام بزيارته لمقر الإدارة العامة للديوانة و إثرها تم عزل المدير العام و مراقبين عامين و معهما عميدا ، و إحالة 23 ضابطا ساميا على الإجازات القصرية و التي دامت سنتين و ثلاثة أشهر ثم تم إرجاع نصفهم في عهد حكومة السيد الحبيب الصيد و نصفهم الآخر ذهب مابين الخروج للتقاعد الطبيعي و العزل ،و قبل ذلك قامت حكومة السيد مهدي جمعة بإحالة ضابطين ساميين بالديوانة على التقاعد الوجوبي ، ثم خلال شهر رمضان لسنة 2020 تمت إحالة 21 ضابطا بالديوانة على التقاعد الوجوبي بنفس الطرق و الأساليب السابقة بما جلب الكثير من الاستياء و الاستهجان في الأوساط الديوانة خاصة بعد القناعة الحاصلة بين الجميع و أنه رغم الاختلافات بين التوجهات و البرامج السياسية لتلك الحكومات المتعاقبة إلا أنها انتهجت و توخت نفس الأسلوب الغريب و الارتجالي في التعامل مع الديوانة و الذي هو بالنهاية لم يثمر أي تحسنا أو انفراجا داخل السلك بل كانت النتيجة زيادة تعقيده و الإدخال على أعوانه و ضباطه المزيد من الهلع و الارتباك و خاصة أمام الغموض عن حقيقة الأسباب التي كانت تتم من خلالها عمليات العزل أو الإحالة لأي ضابط عن التقاعد الوجوبي حيث أن الأمر لم يتوقف عند مثل ذلك ( التقاعد الوجوبي أو الإجازات القصرية أو حتى العزل )و التي تحوم حولها الكثير من الشبهات و الشكوك ، بل ها إننا نفاجئ من خلال الجريدة الأسبوعية ” الشارع المغاربي ” ليوم الثلاثاء 16 جوان 2020 و التي أعلنت باعتزام الحكومة الحالية الإعلان عن ” أمر حكومي ينصص على إقرار سن تقاعد 57 سنة بالنسبة لأعوان و إطارات الديوانة …و واصلت الشارع ألمغاربي بأن هذا التوجه سيمكن من مغادرة عدد يقدر بالمئات من الديوانيين الذين تحوم حولهم شبهات فساد و عجزت السلطات عن إثباتها “.
هذا و لقد أكد كذلك وزير الدولة لدى رئيس الحكومة المكلف بالوظيفة العمومية و الحوكمة و مكافحة الفساد -السيد محد عبو – من خلال تدخله يوم الابعاء 17 جوان 2020 عبر RTCI الإذاعة الناطقة بالفرنسية حيث قال : ” نظرا للعلاقات العائلية ، لقد اتفقت أنا و السيد وزير المالية بعدم الحديث عن الرشوة ، لكن الذي نريده هو إصلاح الديوانة و أن هناك أمر حكومي لدى السيد رئيس الحكومة بعد أن تم عرضه على المحكمة الإدارية و التي لم تسجل بشأنه أي تحفظ ، و بذلك سيصبح في الديوانة سن التقاعد 57 سنة …
و أضاف بأن هذا الإجراء سيحيل على التقاعد بعض المئات من الضباط الكبار ، و قال بأن هناك المئات من العمداء بالديوانة لا يقومون بأي عمل “. ما بين تصريحات ” الشارع المغاربي و السيد عبو .
لقد قالت جريدة ” الشارع المغاربي ” بأن إحالة مئات الدوانيين عن التقاعد بسن 57 نتيجة ما تحوم حولهم من ” شبهات الفساد” وهو الأمر الذي تجنب قوله السيد- محمد عبو – من خلال قوله بأنه اتفق مع السيد وزير المالية بعدم الحديث عن الرشوة احتراما للعلاقات العائلية ، بل كان يريد إصلاح الديوانة .
إلا أن مثل هذه التصريحات تقر ضمنيا بوجود الفساد فيما يتعلق بالمراد إحالتهم على التقاعد عند سن 57 الأمر الذي يضع مجمل هذه الفئة العمرية المستهدفة بمثل هذا التقاعد أمام وضع شبهة تتضمن الكثير من الحيف .
و تجدر الإشارة بهذا الخصوص ، أن سن التقاعد بسلك الديوانة تم ضبطه منذ عام 1996 أي سنة دمج السلكين ( المدني و الشبه العسكري )و حسب الهيئات وما يترتب عنها من أصناف الرتب كما يلي :
– هيئة الرقباء 52سنة
– هيئة الضباط الصف من عريف إلى وكيل أول 55 سنة
– هيئة ضباط الأعوان من ملازم إلى نقيب 58 سنة
– هيئة الضباط السامون من رائد فما فوق 60 سنة .
ثم جاء القانون عدد 37 لسنة 2019 المتعلق بترفيع في سن التقاعد إلى سنتين إجباريا و 3 سنوات اختياريا.و الذي التزمت به الديوانة بما جعلها تقبل بتمديد سن التقاعد لكل أصناف الرتب الآنف ذكرها.
هل الذي صرح به السيد- محمد عبو – هو الإصلاح المنتظر من عموم الديوانية ؟
أولا ، هل السيد – محمد عبو – كلف من يقوم له بدراسة المراحل التي مرت بها الديوانة و كيف و متى حصلت المصيبة الكارثية فيها ؟ ألم يعلم السيد – عبو – بأن الديوانة التونسية التي تمت هيكلتها فجر الاستقلال كانت تتكون من سلكين : أحدهما سلك مدني حيث تنحصر مهامه في معالجة التصاريح الديوانية و المسائل الجبائية و المالية و الإدارية ، وسلك ثاني شبه عسكري و يهتم بحراسة البضائع التي لازالت تحت القيد الديواني و المتواجدة بالفضاءات الديوانية إلى جانب دورهم الأمني مثل الذي يقوم به الحرس الديواني الذي تعود إليه مهام التفتيش بالطرقات و كل المسالك البرية و البحرية و إن هذه الهيكلة وفرت داخل الجهاز الديواني نوع من تقسيم المهام المصحوبة بنوع من الرقابة الذاتية المتمثلة بأن يكون كل سلك مثلما هو مكمل للآخر هو أيضا رقيبا عليه ، و هذا ما يضمن عدم إمكانية الانفراد و الثأر أو توجيه و تأطير أي مهمة ديوانية ذات شأن نحو النتيجة التي قد يراد لها أو حتى السماح لتدخل أي من السياسيين في الشأن الديواني لأنه إذا حاول أي منهم الدخول عبر السلك المدني سيصطدم مع السلك الشبه العسكري و العكس صحيح .
ثانيا – مع قدوم نظام ” بن علي ” و الذي كان يرمي منذ البداية إلى اختراق الجهاز الديواني ، الأمر الذي جعله يتجه منذ سنة 1994 إلى إعادة النظر في هيكلة الديوانة من خلال دمج السلكين المذكورين مع بعضهما ، وهو تمشي لم يكن البتة يتماهى مع روح العصر الذي نجد فيه جل الدول كانت مؤسساتها الديوانية مهيكلة في شكل سلكين (سلك مدني و سلك شبه عسكري ) ، فقط نجد الدول الشيوعية أو بقاياها هي التي تعتمد نظام السلك الواحد في الديوانة و التي هي على عدد أصابع اليد .
ثم نسأل وزير الدولة السيد – محمد عبو –منذ متى أصبحنا نسمع بظاهرة ” التنطير ” بالمواني التونسية ؟ أليس بعهد النظام السابق و بعد أن حول الديوانة إلى سلك واحد فسهل اختراقه .
ثالثا – هناك اعتقاد شبه جازم لدى عموم الديوانية بأن هناك فاتورة ثقيلة ناتجة عن انزلاق بعض موظفي هذا السلك في التعامل مع عائلة النظام السابق و التي جاء وقت خلاصها ، و بهذا الخصوص إنه بقدر عدم نكراننا بتورط البعض منا في الوقوع بين مخالب عناصر تلك العائلة و التي أكدها السجين ” عماد الطرابلسي ” في تصريحه أمام ” هيئة الحقيقة و الكرامة “، و كما يمكن التأكد منها أكثر من خلال سماع السجين ” ياسين الشنوفي ” لاعتباره أحد أهم المالكين لأخطر المعلومات حول الديوانة و رغم كل ذلك لقد كانت و لازالت تعج بالشرفاء الذين رفضوا التعامل سوى مع عناصر تلك العائلة أو أمثالهم الذين ظهروا كالفقاقيع فيما بعد الثورة.
و ليس هذا وحسب ، بل لقد كان السلك منذ العهد النوفمبري و إلى غاية ما بعد الثورة 2011 هو الطريق الأسرع و الأسهل لاستخدامه كحلبة لتصفية الحسابات فيما بين الخصوم السياسيين للحكومات المتعاقبة .
و كذلك الحال فيما بعد الثورة و خاصة في عهد رئيس الحكومة السيد يوسف الشاهد الذي سعى بكل الطرق لتوظيف الديوانة في معاركه السياسية و الحزبية و التي تجلت في إخضاع السيد “حافظ السبسي ” للتفتيش الدقيق ليس لأدباشه و حسب بل حتى لجسده ، وهو إجراء لا يتم بالديوانة إلا من خلال تعليمات فوقية. هذا إلى جانب أصوات العديد من رجال الأعمال التي ارتفعت في عهد ” الشاهد ” بتعرضها للابتزاز . رابعا -و عليه نتوجه بالنصيحة لسلطة الإشراف بضرورة المزيد من النظر فيما يتعلق ” بالإحالات المزعومة ” على التقاعد عند سن 57 و التي تعتبر مسألة في غاية الخطورة و الحساسية لأنها تدخل أولا وقبل كل شيء في تصفية الحسابات ما بين فئات تسعى بكل جهد بأن تطمس وقائع الماضي الذي يهمها هي قبل غيرها الأمر الذي جعلها كلما تتاح لها الفرصة بزج الجميع في صراعات داخلية تناحرية أساسها ليس التناقض في الرؤى حول مستقبل السلك ، بل تحكمه النزعة في خلط الأوراق و الصراع حول المواقع لدى البعض و المصالح لدى البعض الآخر و هذا ما يتم غالبا تغطيته عبر تغذية التجاذبات النقابية و دفعها إلى حد التناحر على اعتبار أن النقابات هي من تسببت في الخطأ الذي ترتب عن إصلاح المسار المهني الذي أنتج الزخم الكبير من الرتب العليا بالديوانة ، بما جعل وزير الدولة السيد محمد عبو – يقول ” بأن هناك مئات العمداء بالديوانة لا يقومون بأي عمل بما يفهم و كأن الإدارة ليس لها أي عمل تسنده لهم ،،، رغم أن عدد “العمداء المهمشين و المقصيين ” عن أداء أي دور حاليا يعدون ببضعة العشرات أي قد لا يتجاوز عددهم 30 ، حيث يتم تغيير أسماؤهم و عددهم مع كل مدير عام لأن إقصائهم أولا ناجما عن فراغ هيكلي مع عدم التسمية الوظيفية الرسمية لهم ، بما يسمح لكل مدير عام أن يدخلهم أو يخرجهم بكل سهولة من أي موقع مسؤولية و لمزيد التأكد من ذلك يمكن الاعتماد على الأجهزة الرقابية الرسمية. و بذلك ندعو سلطة الإشراف إلى ضرورة التمحص و التثبت من أمرها أمام القرارات المصيرية المتعلقة بسلك الديوانة بما يجعلها أكثر انسجاما مع قوانيننا الأساسية ( الخاص و العام ) و إذا ما رأت بضرورة تغيير تلك القوانين الأساسية فلا بأس ، و لكن المهم أن يكون تغييرها بما يجعل سلك الديوانة أكثر انفراجا و تطورا و تماهيا مع بقية المؤسسات الديوانية بمختلف دول العالم الحديث التي تشبه في أوضاعها و أحجامها و تطلعاتها لبلادنا و على أن نرجع الديوانة التونسية كما كانت قبل 1996 إلى سلكين ( سلك مدني + سلك شبه عسكري ) و ليكن هذا أفضل للجميع و حتى للتاريخ ، ولكم الأمثلة الحية في ذلك بالمنظمة العالمية للديوانة ” OMD ” .
و ما أشار إليه ” إعلان أروشا “من حيث كيفية تجسيد الحوكمة و الشفافية داخل الأسلاك الديوانية بالعالم.
محمد البيزاني رئيس المكتب التنفيذي لنقابة أعوان الديوانة التونسية