-
لم نعش تجربة ديمقراطية في تونس بل مسخ ديمقراطي !
-
لا حلول للهجرة خارج تنمية دول الجنوب بعد النهب الاستعماري
باريس – أونيفار نيوز – نورالدين بالطيب أثار الكتاب الجديد للدكتور حسين الباردي دفاعا عن الشعبوية قيس سعيد والإسلام السياسي ومستقبل الأسلام السياسي الصادر مؤخرا في تونس جدلا كبيرا والدكتور الباردي محامي لدى القضاء الفرنسي منذ عشرين عاما وحاصل على الدكتورا في القانون من جامعة باريس 8 وحقوقي ناشط في فرنسا وأشتهر خاصة بالقضية التي رفعها ضد المجرم أنتوان ميلرو العضو السابق في منظمة اليد الحمراء الذي تباهى بالمشاركة في أغتيال الشهيد فرحات حشّاد .
في هذا الحوار يتحدّث الباردي عن قضية الهجرة وعن مستقبل اليسار والإسلام السياسي.
كيف ترى العلاقة مع الأتحاد الأوروبي اليوم خاصة في ملف الهجرة ؟
الهجرة هي التحدّي الأكبر – بعد الإرهاب – الذي تواجهه دول الشمال عموما ودول أوروبا الجنوبية بشكل خاصّ. وبغاية وقف موجات الهجرة المتعاظمة قرّرت المفوضية الأوروبية، منذ عقود، اعتماد “سياسة المناولة” في حراسة حدودها الخارجية بإيكال المهمة “الشنيعة” إلى دول جنوب المتوسط، ومن بينها تونس، في عملية استباق الإبحار بغاية تجفيف منابع الهجرة. وقد رفضت الدولة التونسية قطعيّا لعب مثل هذا الدور وهو ما يحسب للرئيس سعيّد. هنا ينبغي التذكير بأن الاقتصاد (والتقدم والرفاهية…) بالمركز قد بُنِي على النهب الاستعماري للأطراف، وهو ما يسميه ماركس “التراكم الأوّلي/البدائي لرأس المال”.
وقد استمر هذا النهب المنهجي للمواد الأولية ومصادر الطاقة والعقول أيضا بعد الاستقلال الصوري لدول الجنوب خلال ما يعرف بالحقبة النيوكولونيالية. وباختصار جدّ شديد ينبغي على الدول الاستعمارية، إذا توفرت لديها الإرادة الصادقة في ايجاد حل عادل لهذا المشكل، جبر ضرر أشباه المستعمرات بالكامل عبر ضخّ التمويلات الضخمة الضرورية لتحقيق الإقلاع الاقتصادي المتمركز داخليّا والذي من شأنه خلق تنمية متكاملة قادرة على خلق ما يكفي من مواطن الشغل اللائق الكفيلة بإحياء الأمل، محليّا، في العيش الكريم.
تناولت في كتابك واقع اليسار التونسي اليوم كيف ترى مستقبل اليسار في وضع التشرذم الذي يعيشه ؟
أنا أزعم أن لا مستقبل لليسار التونسي والعربي بدون شَعبوية يسارية ثورية، وهي الأطروحة الرئيس التي يقوم عليها كتابي “دفاعا عن الشَّعبوية: قيس سعيّد والإسلام السياسي ومستقبل اليسار”. والمقصود باليسار ليست الأحزاب الميكروسكوبية والشبحية المتناحرة فيما بينها، وإنما “شعب اليسار” أي النساء والرجال، وخاصّة الشباب، الغير منخرطين في التنظيمات الرسمية والذين يحملون فكرا تحرّريا قوامه الانعتاق والتقدّم والعدالة الاجتماعية والبيئية. فكل التحالفات السياسية اليسارية التي نجحت في الوصول إلى السلطة أو في تزعّم مناهضة النظام النيولبرالي المهيمن عالميّا، كلها تبنت عن دراية الشَّعبوية اليسارية.
ويكفي للتدليل على ذلك الإحالة على التجارب اليونانية والاسبانية والفرنسية واللاتينية الأمريكية.
هل يمكن الحديث عن نهاية الأسلام السياسي ؟
الإسلام السياسي يشهد بدون أدنى شك تراجعا كبيرا في كل الدول التي اكتسحها بعد 2011. هل هذا يُجِيز القول بأنه قد انتهى؟ لا أعتقد ذلك.
الاسلام السياسي لن ينتهي إلاّ بعد أن ينغرس عميقا صلب المجتمعات العربية الإسلامية مبدأ الفصل بين الدين والسياسة وليس فقط بين الدين والدولة. وهنا لابدّ من الإشادة بالدور المميز الذي لعبه الرئيس سعيّد في تقزيم حجم الإخوان المجرمين في تونس بطريقة مدنية سلمية خلافا للأساليب الزجرية غير المجدية التي اعتمدها كل من بورقيبة وبن علي والتي أنتجت أسطورة “المظلومية”. وإن هذا النجاح الكبير في تهميش الخطاب الإسلاموي المُضلِّل لهو دليل إضافي على النجاعة القصوى للخطاب الشَّعبوي في مواجهة الظلامية والشعوذة الإخوانية.
هناك من يتحدّث اليوم عن نهاية التجربة الديمقراطية في تونس هل توافق هذا الرأي ؟
“الديمقراطية” في تونس ما بعد الثورة المغدورة هي مسخ من ديمقراطية عرجاء؛ ديمقراطية فوقيّة وُضعت من طرف ولأجل النخبة النظامية المتعالية. أمّا عن حرية التعبير التي يتبجحون بها على أنها “أحد إنجازات الانتقال الديمقراطي” الكاذب فهي في الحقيقة مكسب كان قد حققه الشعب التونسي لنفسه قبل حتى أن تُنصّب “هيئة بن عاشور” (ومن لفّ لفه) نفسها وصيّا على الشعب التونسي بدون استشارة المعني بالأمر وبواسطة تغييبه بالكامل من مراسيمها الفئوية الجوفاء. وبعبارة أخرى إن الديمقراطية التي يذرفون عليها اليوم دموع التماسيح ليست سوى النظام السياسي الضامن لحكم الأوليغارشيات السياسية والثقافية والإعلامية والمالية.
الديمقراطية الحقّة هي الديمقراطية التحتيّة التي تؤسس لحكم بديل من وإلى الشعب. وهذا هو أحد المحاور الرئيسية لـ”دفاعا عن الشعبوية” كنت قد شرحت فيه الفروق الجوهرية بين الديمقراطية الفوقية (النخبوية، النيابية البورجوازية)، التي نشهد منذ مدّة انهيارها في معاقلها التاريخية، والديمقراطية التحتية، أو ما أسميه “ديمقراطية المجالس” والذي سيكون موضوع كتابي القادم.