أونيفار نيوز – ثقافة صدر منذ أيام كتاب جديد عن جزيرة جربة بعنوان ” العمران بجزيرة جربة في العصر الوسيط ” للدكتور منصف بربو وهو متحصّل على شهادة الدّكتورا في علوم الترّاث من كلّيّة العلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة بتونس سنة 2018. محور ومجال اهتمامه الجغرافيا التاّريخيّة ببلاد المغرب و الأندلس في العصر الوسيط. يدرّس حالياّ بالمعهد العالي للعلوم الإنسانية بمدنين والكتاب في الأصل رسالة بحث لنيل شهادة الدّكتورا في علوم الترّاث عنوانها ” تنظيم المجال و التوّطين والتعّمير بجزيرة جربة في العهد الوسيط”، نوُقشت يوم 14 مارس 2018 برحاب كلّيّة العلوم الإنسانيّة والاجتماعية بتونس و توُّج بملاحظة مشرّف جدّا.
صدر هذا الكتاب الجديد باللغة العربيّة ، قدّمه الأستاذ الدّكتور المشرف محمّد حسن . تضمّن كذلك جزءا باللّغة الفرنسيّة اقتصر على تقديم للباحثة البلجيكيّة المهتمّة بالشّأن الإباضي في بلاد المغرب في العصر الوسيط ، الدّكتورة ” فيرجيني بريفو” وعلى مُلخّص من إنجاز صاحب الكتاب ضمّنه أهمّ المعطيات و الأفكار التّي عالجها و النتّائج التّي توصّل إليها.
قسّم المنصف بربو عمله إلى جزأين رئيسيين: المُدوّنة و التحّليل. تعُتبر المدوّنة القسم الأساسي في هذا الكتاب . و انطلاقا من جذاذة نموذجيّة تناول بالدّراسة 78 موقعا رئيس يّا) 76 حومة و حارتين يهوديتّين( حدّد موضعها داخل الخريطة الطّوبوغرافيّة . تضمّنت كلّ جذاذة ثماني فقرات تناولت على التوّالي: اسم المكان و المعطيات الطّوبوغرافيّة و الإداريّة و المعطيات الطّبيعيّة و وصف الموقع و المكوّنات البشريّة و الأنشطة الاقتصادية و التعّليق العامّ و الوثائق. أمّا قسم التحّليل ، وهو الجزء الرّئيسي الثاّني من هذا العمل البحثي، فقد تمّ فيه عرض أهمّ الاستنتاجات بعد دراسة ما جاء في المُ دوّ نة من معطيات متنوّعة.
وهي استنتاجات صيغت ضمن إشكاليّة تفرّعت إلى ثلاثة عناصر كبرى شملت تنظيم المجل الجربي و توطينه و تعميره خلال العصر الوسيط أي الفترة المتراوحة بين القرنين الأوّل للهجرة ) 7م( و العاشر هجرياّ ) 16م (، و تحديدا منذ دخول الإسلام ربوع الجزيرة إلى نهاية العهد الحفصي دون أن يغفل عن تناول الحقب السّابقة و خاصّة الفترة البيزنطيّة و كذلك اللّاحقة و أهمّها المرحلة العثمانيّة.
وأخذا بعين الإعتبار خصوصيّة جزيرة جربة، فقد أبرز الباحث مدى ارتباطها بالطّرقات البحريّة و البرّيّة في الآن نفسه و اتجّاهها، ممّا يفسّر كيفيّة توطّن القبائل والوافدين على الجزيرة في التجّمّعات السّكنيّة داخلها ماسكا بخيوط الهجرات الطّارئة على الجزيرة من البحر و البرّ و خصوصا من سهل الجفارة ومن جبلي دمّر و نفوسة متخلصّا إلى التنّاسب بين الاستيطان القبلَي: زواغة بالجهة الشّرقيّة و نفوسة بالجهة الغربيّة، و التقّسيم المذهبي إلى نكّار شرقا و وهبيّة غربا. ولئن غلب على التوّطين السّكن المتشتتّ، في علاقة بعوامل عديدة من أبرزها النّشاط الزّراعي، فقد أصبحت الحومة الوحدة السّكنيّة السّائدة في آخر العصر الوسيط.
تناول الكاتب في مقدّمة عمله دواعي اختيار موضوع البحث و إشكالاته و منهجه إلى جانب قراءة في مصادره. كما بيّن في خاتمته العامّة أبرز ما حققّه هذا العمل من أهداف وما قدّمه من إضافات وما يفتحه من آفاق اعتمادا على مبحث الجغرافيا التاّريخيّة. وقد عقب الخاتمة العامّة جدول ثريّ تضمّ ن عشرات الصّفحات شمل معطيات دقيقة حول أسماء القبائل والعائلات و الأعلام و المعالم بجزيرة جربة خلال العصر الوسيط، إضافة إلى بيبليوغرافيا متنوّعة و فهارس عديدة.
والحقيقة أنّ هذه الدّراسة خاضت في عديد القضايا اللّغويّة و الطّوبونوميّة المتعلّقة بالتوّطين الجديرة بالاهتمام و العناية ،منتهية إلى إعادة تركيب المجال. فهي تتميّز بتعدّد المقاربات الجغرافيّة و اللّغويّة و الأثريّة و التاّريخيّة، ساعية إلى الرّبط بين المعطى الطّبيعي و الأثري تارة، و بين الخزف و تعمير الموقع، أو بين التفّسير اللّغوي و اسم المكان طورا.