-
هل يجدر بنا أن نكون الوحيدين لمواصلة احترام بيانات الاقتصاد الكلي و التعهدات تجاه صندوق النقد الدولي ؟
بقلم الراضي المدب
أصدر مجلس إدارة البنك المركزي بعد اجتماعه الشهري المنعقد مبكرًا بتاريخ 17 مارس بيانًا جاء فيه أساسا أنه بعد دراسة الوضع الاقتصادي الراهن و تشخيص تداعيات أزمة كورونا على الاقتصاد والمؤسسات التونسية اتخذ المجلس جملة من التدابير و القرارات قصد التصدي لهذه الأزمة المحتملة و الحدّ من تداعياتها على الاقتصاد التونسي.
و لعل أهم قرار جاء تبع هذا الاجتماع يتعلق بالتنزيل في سعر الفائدة المديرية بنسبة 100 نقطة أساسية. ولمّح البيان الى أن البنك المركزي سيسعى إلى توفير السيولة اللازمة للبنوك لإعطائها إمكانية المساندة الفعلية للمؤسسات الاقتصادية خلال المدة القادمة و التى ستتسم بالعسر. كما قرر مجلس إدارة البنك المركزي توخي مرونة اكبر بخصوص معايير التصرف الحذر للبنوك حتى يمكنها من تكثيف مساندتها للمؤسسات الاقتصادية اللتى قد تمر بصعوبات ظرفية في الفترة القادمة.
و تعد هذه الحزمة من القرارات إيجابية في الظرف الراهن و يجب تثمينها إذ تقطع مع قرارات البنك المركزي التى تم اتخاذها مدة السنتين الفارطتين و التى تمثلت في ترفيعات ثلاثة متتالية لسعر الفائدة المديرية كانت نتيجتها الإجمالية الرفع من مستوى هذه الفائدة ب 275 نقطة أساسية.
و يجدر هنا التذكير بان هذه الترفيعات المتتالية كانت استوجبتها آنذك نسبة التضخم المالي التى ناهزت 8% سنويًا وقد أثمرت جزئيا هذه السياسية النقدية اذ أفضت الى تراجع في نسبة التضخم المالي التى بلغت 5,8% في متوفى شهر فيفري الأخير.
و هذا التراجع هو الذي يمكن اليوم البنك المركزي من مراجعة سعر الفائدة المديرية بتنزيله 100 نقطة أساسية. وما من شك أن التنزيل في سعر الفائدة المديرية سينعكس مباشرة على تكلفة تمويل المؤسسات الاقتصادية و سيساعد على أخذ قرار الاستثمار في عدد من الحالات.
لكن هذا القرار بالرغم من إيجابياته فانه يبقى غير كاف للمحافظة على ديمومة مؤسساتنا و مساندتها حتى تتعدى الفترة القادمة بسلام. و نظرًا إلى أن نسبة التضخم المالي تراجعت منذ اشهر ب 200 نقطة أساسية و أن الوضع الذي نمر به استثنائي إلى أبعد حد فانه كان من المحبّذ ان يتسم قرار البنك المركزي بالمزيد من الجرأة و ان يكون التنزيل في مستويات ارفع. إلا ان البنك المركزي بالرغم من وعيه بدقة الوضع فانه في أخذ قراره كان حريصا على مواصلة احترام تعهدات تونس مع المؤسسات المالية الكبرى و توجيهاتها. و لسائل أن يسأل في الوضع الحالي لاقتصاديات العالم و خاصة الدول الكبرى و نظرًا للخطط المختلفة المعلن عنها مؤخرا في جل البلدان الغربية من أوروبا إلى امريكا و الى حجومها الاستثنائية هل يجدر بنا أن نكون الوحيدين لمواصلة احترام بيانات الاقتصاد الكلي بينما ترمي بها البنوك المركزية الكبرى عرض الحائط معطية الأولوية الى المحافظة على النسيج الاقتصادي و القدرة التنافسية و التشغيلية لمؤسساتها؟
و لا يمكن بأية حال للبنك المركزي وحده ان يتخذ كل القرارات التى تحتاجها مؤسساتنا في الوضع الحالي. إن للحكومة ان تكمل تدخل البنك المركزي في ميدان السياسة النقدية باجراءات موازية في ميدان السياسة الاقتصادية إذ لا يمكن لأي ما ان يمشي على ساق واحدة.
إن دقة الوضع و صعوبة الايام القادمة و انعكاساتها السلبية على مواصلة نشاط مؤسساتنا يحتم علينا ان نكون سباقين وان نفكر خارج الصندوق و ان نكون طموحين لتونس نعمل على مواجهة الأزمة و لكن أيضًا على اعادة تموقعنا الاستراتيجي حتى نخرج من أزمة الكورونا أقوى و أجدر.