متحف باردو مغلق للشهر السابع على التوالي.
متحف التاريخ والهوية والحضارة والتراث التونسي، لطالما رسم صورة راقية للوطن، لطالما شعرنا بالنخوة والاعتزاز ونحن نتجول في أرجائه نتأمل تحفا ومجموعات أثرية، منحوتات ومخطوطات، فسيفساء وعملات، خشبا ومعادن وبلور. نلامس إرث أسلافنا ونفتخر بمحافظتنا عليه وتثمينه.
متحف باردو تحمل مسؤولية وطنية منذ انشائه، هو المعلم المخضرم، هوالمتحف والكتاب والصورة والقصة والرواية والأسطورة، هو الحقيقة والواقع والمخيال. نتجول في أروقته فننبهر بما تخفيه زواياه، هو تارة التحفة وتارة المتحف بجناحيه الملكي الأصيل والجناح المعاصر الحديث المواكب لعلوم وفنون العصر.
هل تقبلون بأن تزر وازرة وزر أخرى، باردو المتحف ليس باردو البرلمان. هو مقر حفظ الذاكرة. المجموعات الأثرية داخله صامدة طيلة قرون، لا تشبه في شيء بعض المجموعات السياسية المتحركة تحت قبة دأبوا على تسميتها قبة باردو. متحف باردو قيمة لا تشوبها شائبة، مثل تونس أ حسن تمثيل في جميع المحافل الثقافية والسياحية. قيمة حاضرة في ذهن كل من زار تونس أو أقام فيها. باردو الحضارة يقتله النسيان والإهمال واللامبالاة بدون جمهور وبدون أنشطة وحياة.
كلما طال الاغلاق تدهورت محتوياته وأصبح انقاذها صعبا. مجموعات أثرية ثمينة لكن هشة، تتطلب صيانة ومراقبة يومية، جدران وفضاءات قد يطالها ضرر الرطوبة والأتربة فتؤثر على الفسيفساء النادرة والفخار والبلور والخشب.
كل قاعة عرض لها خصوصياتها ولكل مجموعة أثرية متطلباتها اليومية من العناية والصيانة والترميم والمحافظة. من ناحية أخرى، غلق المتحف هو غلق لمصدر الموارد المالية التي كان يوفرها. قطاع التراث لن يتحمل أكثر تعطل المتحف المرتب الأول والمتحف المرتب الثاني (قرطاج) وطنيا من حيث المداخيل. نحن بصدد تعميق أزمة مالية تمس كافة المتاحف الجهوية والمحلية التي كان متحف قرطاج ومتحف باردو بمثابة البنك الممول لها.
أزمة اقتصادية ترمي بظلالها على قطاع تتالت عليه الأزمات الواحدة تلو الأخرى وكل أزمة تترك أثرا أسوأ من الذي سبقه. قطاع لم يحظى بإصلاحات كبرى تنقذ ما أمكن إنقاذه ولم يشهد ثورة ترتقي به إلى الأفضل والأنجع. قريبا تحل المواسم السياحية الكبرى، لن يهنأ لنا بال ولن يطيب لنا استقبال أصدقاء تونس وأبنائها بالداخل والخارج وقاعات متحف باردو مظلمة وأبوابها مغلقة. كم اشتقنا إلى فرجيل وأشعاره التي ننشدها بين مربعات الفسيفساء، اطلالة تماثيل الأباطرة وكبار الشخصيات الرومانية… قاعة العرش وقاعة دقة والجم وقرطاج وبلاريجيا والقيروان وسبيطلة وأوتيك.
تونس من شمالها لجنوبها تأتمن على تاريخها وآثارها بأمان متحف باردو.
تقولون أن باردو لم يعد آمنا فماذا عن تاريخنا وحضارتنا بداخله؟ نحن اليوم كأهل مهنة ومن وجهة نظر الاختصاص والدراية بخطورة تواصل غلق متحف باردو، نعبر عن أسفنا لعدم التواصل معنا والاستئناس برأينا بعد 25 جويلية للتفكير في صيغ عملية تخول للمتحف وللعاملين فيه مواصلة أنشطتهم اليومية والقيام بالمتابعة والصيانة واستقبال الزوار في احترام تام لما تقتضيه الظرفية السياسية والأمنية التي تعيشها البلاد. افتحوا أبواب متحف باردو وستنفتح بعده نوافذ تطل على تونس من جميع أنحاء العالم. باردو هو اللوحة الملونة لهذا الوطن الذي أرادوه سوادا داكنا وليلا مظلما.
متحف باردو لا يستحق منا مثل هذه اللامبالاة والمعاملة الجافة. المتحف الذي سافرنا معه وكان بمثابة جواز السفر الثقافي والهوية التاريخية لكل تونسي. نفتح المتحف ونفتح صفحة التصالح مع تراثنا وتاريخنا، صفحة الاجلال لا الإذلال، الصون والحفظ والتثمين لا الاهمال والاستصغار. عظمة الشعوب بعظمة تاريخها وتراثها، باردو أكبر من أن يحشر في دائرة غير دائرة الأضواء والإشعاع الثقافي والتراثي. لن نرضى أن يقترن تاريخنا وتراثنا بالاضطرابات والإرهاب والرعونة السياسية.