تابعت تسجيل الحوار الذي أجراه سي محمد عبّو مع أحد اعلاميّي القناة التاسعة وسأعقب فقط على تقييمه لحزب النهضة الذي يصفه بحزب “مناضلين” وأنّ “المنتسبين لهذه الجماعة هم أكثر ناس لقوا الاضطهاد” من بن علي و بورقيبة قبله وان سي عبو ليس له ما ينتقده في هذه النحلة الا “بعض فساد” عندهم و انه شخصيا ليس له اعتراضا عليهم وليس لهم اي علاقة بالعنف وانه يعتبر النهضة “حزبا مدنيّا” لا غبار عليه.
الرد على هذه الإدعاءات لا يتطلب ضليعا في التاريخ السياسي القريب لتونس، فقط يفترض مؤرخا نزيها اوشخصا عاديا ذو ذاكرة وعايش تلك الفترة الزمنية التي امتدت منذ السبعينات عند ظهور الجماعة الاسلامية حتى تحولها الى “حزب سياسي” سموه للمغالطة “النهضة” ووصولا الى 2011 عند اختطافهم للحكم و الدوام فيه.
لن يعسر عليه من ان يتبيّن أنّ “جماعة الغنوشي ومورو وكركر والمكني وصحبهم” كانوا و لازالوا فرعا للتنظيم العالمي للإخوان المسلمين عقيدة و ممارسة باقرارهم هم حتى و ان جحدوا ذلك الآن.
فهم نحلة عقائدية تتخذ من الإسلام مطية للسيطرة على الحكم وما اقترفوه زمن بورقيبة كما زمن بن علي من بعث تنظيم سري مسلح و القيام بعمليات ارهابية ( تفجيرات سوسة و المنستير) وعنف دموي ضد معارضيهم وصلت لحرق الأحياء في مقر الحزب الدستوري الحاكم في باب سويقة وتشويه وجوه النساء غير المحجبات ولا يخفى على نزيه متابع تورط جماعة النهضة في العنف الذي استشرى في تونس عندما تمكنوا من الحكم بعد 2011 اما تواطؤا او مشاركة وسينكشف الامر اكثر عندما يبت القضاء في قضية “الجهاز الخاص” والاغتيالات التي استهدفت زعماء سياسيين ورجال الامن والجيش.
امّا عن ما يسميه سي عبّو من “نضال” لجماعة النهضة ضد الاستبداد فالحقائق التاريخية تسفه هذا الادعاء .هم فعلا عارضوا بورقيبة و بن علي وعملوا على اغتيال الاول والثاني وهيؤوا الأمر لذاك وفشلوا ولم يكن ذلك لا لإرساء الديمقراطية في البلاد و لا لتكريس حقوق الانسان و لا لنشر العدالة الاجتماعية و لا لتحقيق الكرامة للتونسيين كان “نضالهم” وصراعهم مع “الحاكم” لأنه ” لا يطبق الشرع” ولأنه حسب ما ينشرونه هو “نظام تغريبي” و نظام “علمانية” و “كفر” و “انه يشجع على الفساد والفسق و الانحلال” وانه “معاد للهوية العربية الاسلامية” و”ان تعليمه تجفيف لمنابع الاسلام”…بعبارة مجملة كان همهم قلب نظام المجتمع و تطبيق ما يعتبرونه “الاسلام الصحيح” أي “تطبيق الشريعة” ( كما تفهمها مراجعهم من ابن تيمية و محمد ابن عبد الوهاب و حسن البنا و سيد قطب و ابو الأعلى المودودي…)على سكان تونس …لا غير…اين اذن نضالهم؟ بل بالعكس كانوا الى جانب الاستبداد الذي استهدف الشبيبة الطلابية اليسارية وكانوا الى جانب الحاكم عندما قمع الاتحاد العام التونسي للشغل في 1978 و في كل الأزمات مع الاتحاد و تقربوا من محمد مزالي عندما خفض لهم جناح الذل و”خونج” التعليم باسم التعريب و فتح لهم الاعلام والجوامع و المدارس ومطبعة الحزب و دعم وزارة الثقافة لنشر عقيدتهم الاخوانية كتبا و شرائط لمقاومة اليساريين بالخصوص.
أمّا عن حكمهم منذ 2011 فكل عارف بسيط لأسس النظام المدني ومعرفات الحكم الرشيد سيقر ان حكمهم هو أسوء حكم عرفته تونس في تاريخها المعاصر و فاضت فيه كل مساوئ الأنظمة الفاسدة من المحسوبة والرشوة والاعتداء على المال العام والعنف والارهاب و تفكيك اجهزة الدولة وضرب مكتسبات المجتمع. نقر لسي محمد عبو صحة قوله ان الاخوان استهدفوا لبطش النظام( وفي الحقيقة ليسوا لوحدهم) ونقر كذلك من انّ الكثيرين من ذويهم ظلموا فقط لقرابة تربطهم بقيادي هذا التنظيم، لكن على سي عبو ومن معه أن يقرّ كذلك انه ليس فقط من حق بل من واجب اي نظام، مهما كان، ان يدافع على وجوده خاصة ضد نحلة همها الحكم و شعارها “محاربة الطاغوت” و لا تتورع على القتل و الارهاب.
الأستاذ عميره عليّه الصغيّر