-
المؤسسات العمومية نزيف مُرعب لميزانية الدولة…
تونس – أونيفار نيوز عندما كان يجري إعداد الميزانية في أكتوبر 1981، وهي أول ميزانية في عهد حكومة محمد مزالي ، بعد انسحاب الهادي نويرة بسبب المرض الذي اعتراه، قام خلاف حاد بين وزيرين صديقين هما منصور معلى و إزوز الأصرم وكنت شخصيا على اطلاع على طبيعة ذلك الخلاف تبعا للمداخل التي كنت أتمتع بها لدى غالب وزراء تلك الحكومة.
وكانت طبيعة الحلاف متمثلة في رغبة وزير الاقتصاد عزوز الأصرم، في زيادة تدخلات الدولة برفع نفقات الانفاق على الشركات والمؤسسات العمومية، التي كانت تشكو عجزا منذ ذلك الحين، وهو عجز متراكم مند سنوات، والرفض القاطع من وزير المالية والخطيط منصور معلى، الذي كان يريد فرض الأرثوكسية للتصرف في المالية العمومية.
وباعتبار تحكيم الوزير الأول محمد مزالي، الدي مال لرأي عزوز الأصرم، فقد تقرر تأجيل ذلك الأمر للموازنة الموالية أي لميزانية 1983، كما أسقطت بالمناسبة مقترحات وزير المالية والتخطيط بشأن فرض أداء على أحواض السباحة الخاصة التي كان يراد اعتبارها من مظاهر الثراء، وأيضا تم سحب ما تضمنته الميزانية من إخضاع مداخيل رجال المهن الحرة لحقيقة الاداءات المستوجبة تحت ضغط شديد.
وتأجلت تلك الإصلاحات للعام الموالي ثم ما بعده، وفرض على الأصرم ومعلى مغادرة الحكومة بعد ذلك، وبقيت الأداءات المباشرة مفروضة على الأُجَرَاء بصورة تكاد تكون منفردة.
بقيت قضية المؤسسات العمومية، كالدمل الذي ينخر جسم البلاد، فهي تمثل نزيفا مرعبا، لميزانية الدولة عاما بعد عام، وهي في غالبها للخسائر التي تتكبدا عاما بعد عام، لسوء التصرف، ولملئها بأعوان وكوادر لا تحتاج أليهم بهذا الحجم، وللمنافع والامتيازات التي لا تخطر على بال، بما يفوق ما ينجر في الوظيفة العمومية ولا أحيانا حتى في القطاع الخاص.
ولعل المواطن التونسي الخاضع للضريبة المُقْتَطعة من أجره أو دخله وعلى حساب جهده وعرقه المتفصد منه بغزارة، الواقع تحت وطأتها الثقيلة، ومن يَئِنُّ منها صامتا دون أن يعرف مكمن الداء، و التي تتجاوز كل الخدود المتعارف عليها عالميا بالقياس للدخل الفردي والناتج الخام، حيث أن الضغط الجبائي في تونس يتجاوز في الغالب كل المقاييس المعمول بها عاليا.
ومن المستفيد؟
بالطبع ليس الكادح بالفكر والساعد، ولكن فئة قليلة من المنتسبين لهذه المؤسسات التي تقتطع سنويا عبر ميزانية الدولة لسد عجزها المتعاظم exponentiel. وغير المبرر.
سؤال حارق: متى يستيقظ الشعب إزاء هذا الانتحار الجماعي المتواصل منذ السبعينيات، والذي يأكل زرعنا أخضر وقبل أن يشتد عوده ؟
إن الحصيلة المسجّلة بعد أربعين أو خمسين سنة من عمليات دعم الشركات والمؤسسات العمومية المُفْلسة تمثل حجما ضخما من الأموال، يُسَاوِي الناتج الداخلي الخام لعدة سنوات، كان يمكن لو اقتصدها ووفر إقتصاد البلاد مبالغها، عبارة عن خميرة مناسبة هي والدعم غير العقلاني للسلع الاستهلاكية، مناسبة لتحقيق نسب علو عالية، كان يمكن أن ترفع حجم ثروات البلاد، وتستوعب لا فقط البطالة الوافدة، بل تمتص العطالة الهيكلية المتوارثة، ولكن تونس سارت في الطريق الخطأ منذ 50 عاما، وامعنت فيه بصورة أكبر خلال العشر سنوات الماضية ، ولا يبدو أنها سترتدع.