تونس –“الوسط نيوز” – كتب : عبد اللطيف الفراتي
في عمر الديمقراطية الحقة التي جاءت بها ث”ورة الكرامة” و التي برغم مرور 8 سنوات انقضت لم توفر الكرامة بكل من تداول على الحكم فيها من نهضة على مدى سبع سنوات و نداء تونس على مدى خمس سنوات و مؤتمر من أجل جمهورية لمدة 3 سنوات و تكتل لمدة سنتين و الوطني الحر و آفاق و اليسار و خاصة تحيا تونس لمدد متفاوتة فإنه يمكن القول إن أولئك الحكام لم يحققوا لا من قريب و لا من بعيد الهدف الأسمى لأي حكم و هو الارتفاع بالمستوى المعيشي للشعب و اكتفوا كلهم باجترار إنجازاتهم في مجال تحقيق الديمقراطية و حرية التعبير و كأنها تلك وحدها ما كان من مطالب الجماهير التي ضحت و سقط منها شهداء بأكثر من مائة و جرحى بالمئات و لم يكن المطلب الأول هو الكرامة التي يوفرها الشغل و لقمة العيش النظيفة بالجهد و البذل و الحكام المتعاقبون و خاصة نهضة و نداء و تحيا لم يفعلوا شيئا و هذا كان بمقدورهم لو صحت منهم الإرادة و العزيمة لوقف التسيب و الارتخاء الانتاجي.
و اليوم يقفون جميعهم كل يدافع ما أمكنه الدفاع عن نتائجه أو يحاول التملص من المسؤولية مثل النهضة و بالذات النهضة من كل مسؤولية في تدهور حال البلاد و مواطنيها و هو أمر لايمكن أن يقنعوا به أحد.
و من هنا يجد الشارع نفسه أمام وجوه جديدة على الأفل على الحكم لم يألفها و إن كان بعضها متورط إلى الأذقان سواء في السير في ركاب العهد السابق لما قبل الثورة أو بصورة أو بأخري فيما بعده.
كلمتان قصيرتان عن الانتخابات التشريعية و هي ستكون سابقة عن الانتخابات الرئاسية في دورتها الثانية بعد أسبوع عن الأولى و في الحالتين تبدو هذه الانتخابات محسومة إلا إذا حصلت مفاجأة لا تبدو منتظرة أو متوقعة.
**
و بالنسبة للانتخابات التشريعية يبدو أن قلب تونس سيكون الحزب الاول ترتيبا و لو بمسافة قصيرة عن ملاحقه حزب النهضة كما يبدو أنه فوق استطاعته أن يكون مدعوا لتشكيل الحكومة بمفرده باعتبار طبيعة طريقة الاقتراع بالنسبية على القائمات و بأعلى البقايا و هي طريقة سيئة الذكر سيقدر الحزب الأول (مهما كان بأربعين مقعدا في الأكثر أو أكثر بقليل) على الأغلب توفير حزام و لو ضيق مما يسمى بـ”الحداثيين الوسطيين من أنصار نمط المجتمع العصري”، بحيث يتمتع بالأغلبية البسيطة التي تمكنه من تشكيل الحكومة و تمرير التشريعات العادية دون أن تطلق يده بالنسبة سواء للقوانين الأساسية أو للتعيينات المنتظرة في المجالس الدستورية المعطلة أو أي تعديلات سواء في الدستور أو في المجلة الانتخابية و هي ضرورات لم يعد منها بد لسير الدولة السير الطبيعي بما يذكر بأيام الجمهورية الرابعة في فرنسا و آزماتها التي عطلت سير دواليب الدولة او أي قدرة في الاقدام على الاصلاحات التي تأخرت أكثر مما ينبغي و حتى لو تم تعيين محمد الفاضل عبد الكافي الذي أطلق عليه اسم الفاضل تيمنا باسم جده الفاضل بن عاشور فماذا يستطيع -رغم أنه رجل لامع جدا- أن يفعل بدون أغلبية الثلثين كل هذا إذا لم تحدث المفاجأة بتعيين حزب قلب تونس الذي سيدعى غالبا لتشكيل الحكومة في حالة حصوله على أغلبية نسبية لا بسيطة و لا موصوفة تعيين نبيل القروي لتولي رئاسة الحكومة فيضع السلطة القضائية و الطبقة السياسية كلها في حيص بيص و الذين تحدثت معهم في هذا الشأن و كلهم من كبار القانونيين يرفعون أيديهم مرددين : دعها تقع و بعدها “يحلها ربي “. هذا بالنسبة لانتخابات بعد غد أو اليوم الموالي.
**
أما الانتخابات الرئاسية التي تأتي بعد أسبوع فإنها لن تضع إشكالا مباشرا و لكنها ستضع إشكالات من نوع آخر.
فالمؤكد اليوم أن صندوق الإقتراع سيفضي إلى انتصار معزز لقيس سعيد بات هذا من تحصيل الحاصل و لا مندوحة من الاعتراف بنتيجة الصندوق و لكن لا بد من الوقوف أمام ثلاثة أو أربعة حقائق كل واحدة منها صادمة :
أولاها : أن هذه الانتخابات الرئاسية و إن كانت شرعية في نتائجها ، فلا تبدو وفقا لرجال قانون دستوري تحدثنا معهم إلا موصومة بقلة المشروعية ، légale mais illégitime على أساس أن شرطا أساسيا من شروط نزاهة الانتخابات يتمثل في المساواة و تكافؤ الفرص و هو ما لم يتوفر باعتبار أن أحد المترشحين قابع في السجن / و لم يتمتع بحقه في التوجه إلى الناس كمنافسه الذي بدا محظوظا و إذا كان تمني يوسف الشاهد و قادة النهضة هو أن لا يدخل نبيل القروي و غيره هذا السباق الرئاسي دليل ذلك قانون الاقصاء الذي أجهضه الباجي قائد السبسي فإن دخول السجن سواء دخله القروي عن حق أو عن غير حق أصاب العملية الانتخابية الرئاسية من حيث مصداقيتها في مقتل و ستجابه الشرعية بالمشروعية دوما مهما كان من دخول قيس سعيد إلى قصر قرطاج.
ثانيهما أن جبهة عريضة من كبار القوم في تونس نادوا بضرورة إطلاق سراح نبيل القروي من أجل تكافؤ الفرص في مقدمهم رئيس الجمهورية محمد الناصر و قادة المنظمات الوطنية ذات الوزن المجتمعي الكبير و حتى رئيس هيئة الانتخابات نبيل بفون غير أن الزمن السياسي لم يلتق مع الزمن القضائي فامتنع القضاء عن إطلاق سراح المرتب ثانيا في الدورة الأولى للانتخابات الرئاسية و ربما لم يكن القضاء حتى الواقف كما يقال في ترجمة حرفية عن الفرنسية الذي وضع القروي في السجن بصورة مشكوك في قانونيتها لا يريد أن يتلقي أوامر كما اتهم في المرة الأولى.
ثالهما، على المستوى الدولي حيث بدا أن بقاء مرشح جدي في السجن مخالف في الأعراف الانتخابية الدولية لما يمكن أن يسمى بالانتخابات النزيهة و الشفافة التي لا تشوبها شائبة و تلك الأوساط لا يهمها إن كان الدستور في تونس أو القوانين تنبهت إلى هذه المطبات أم لا فهناك قيم و مقاييس يسيرون عليها.
غير أن هذه التطورات التونسية / التونسية يمكن أن تترك ظلالا كثيفة على سمعة الديمقراطية في تونس و هي الأمر الذي استثمرت فيه كل الجهات الحاكمة على مدى 8 سنوات و كان أن وفر لها لا فقط التعاطف و التأييد و لكن سخاء غير معهود من المؤسسات المالية الدولية و الأوروبية و العربية و الافريقية و حتى الوطنية مثل اليابان.
رابعهما : و في الصميم ، إذا صحت التوقعات و ارتقى قيس سعيد إلى رئاسة الجمهورية و مرشح قلب تونس إلى رئاسة الحكومة (الحالة مختلفة إذا جاءت النهضة الأولى في الانتخابات التشريعية) فإن المعايشة البعض يقول المساكنة la cohabitation ستكون في منتهى التعقيد و سيكون قيس سعيد في الزاوية و لن يستطيع شيئا للبرنامج الذي أعلن عنه إضافة إلى أن وزارتي الخارجية و الدفاع المفروض أن يعين أصحابهما هو شخصيا سيجدان أنفسهما رهائن عند حكومة و برلمان مضاد و بيدهما ضبط الميزانية و اعتماد السخاء أو البخل تجاه الوزارتين و بذلك تبدو للعيان محدودية مقتضيات دستور غير واقعي و لم يقرأ حساب هذه التطورات هو دستور 2014 الدي وصف بأنه أحسن دستور و لكنه ظهر بالتجربة غير عملي.